المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بحث شامل تونس قبل 1881



sa7liplus
10-12-2010, 06:24 PM
بحث شامل تونس قبل 1881

تونس قبل 1881


هياكل الحكم

كان شكل الدولة عتيقا رغم بعض التجليات الخارجية شبه العصرية ( إستعمال الوثيقة الكتابية والحسابية والأسلحة النرية ) والسلالة الملكية الحاكمة منذ 1705 م وهي سلالة أجنبية ( حسين بن علي مؤسسها إغريقي الأصل) والحكم يتداول بين الذكور وبحسب السن ضمن هذه العائلة . وكانت تونس تابعة للإمبراطورية العثمانية ولكن تبعيتها تكاد تكون شكلية. وكان الباي يجمع بين يديه كل السلطات , وقد فشلت الإصلاحات التي حاولت تحويل هذا النظام من إستبدادي إلى ملكي دستوري


كان الباي يحكم بمعية أقلية من المماليك الإغريق والشراكسة والقرج والإيطاليين. وكان هؤلاء المماليك يشترون صغارا من أسواق النخاسة في تركيا , وتقع تنشأتهم على الدين الإسلامي ثم يعتقون . والباي كان قادرا على السمو بأي مملوك إلى أعلى مراتب الدولة, كما انه كان قادرا على الإطاحة به في أية لحظة ("تتريكه" أي مصادرة أمواله واغتياله أحيانا).وشأن كل الأنظمة السياسية العتيقة لم يكن هناك فرق بين الدولة والباي (وزارة المالية هي الخزينة الخاصة بالباي) وصلاحيات الوزراء ليست واضحة بصفة جلية ونفوذهم كان رهن مشيئة الباي الذي كان يكلفهم من حين لأخر بمهام في الخارج أو يطلب منهم مشورة في قضية معينة,وقد أصبح المعاونون الكبار للباي يسمون وزراء منذ حكم أحمد باي كما كانوا يحملون ألقابا عسكرية رنانة (المؤرخ أحمد بن أبي الضياف كاتب سر بايات تونس منذ 1827كان يحمل لقب أميرالاي (رتبة جنرال)؟؟؟) وكان هناك الوزير الأكبر ووزير العمالة (وزير الداخلية والمالية ) ووزير الحرب ووزير البحر ووزير الخارجية, أما ولي العهد فهو باي المحلة الذي يخرج مرتين في السنة على رأس الجيش للإعانة على فرض الأمن واستخلاص الضرائب في دواخل البلاد . وقد توالى على حكم البلاد منذ موت حمودة باشا 1814 حكام تميز أغلبهم بعدم الكفاءة مثل الوزير الأكبر الجشع والداهية مصطفى خزندار ( شغل خطته مدة 37 سنة؟؟؟؟) أو " الوزير الأكبر مصطفى بن إسماعيل " وقد بالغوا في النهم والإستيلاء على أموال الدولة والتألق في المباني والإسراف في الترف , فالوزير الكبر خير الدين رغم أفكاره التنويرية كانت له ثروة عظيمة إذ كان دخله السنوي لا يقل عن 260000 ريال , ومصادر هذا الدخل الكبير هي :



- مرتبه بصفته وزيرا أكبر وقدره 140000 ريال .


- منحة سكن وقدرها 30000 ريال .


- هبة سنوية من الباي وقدرها 50000 ريال .


- 96000 هكتار بجهة النفيضة.


- 7000 زيتونة بمرناق و 1000 بأريانة.


- معاصر زيتون بالعاصمة بالعاصمة وحمام بأريانة وأراضي بالمرسى.


- أراض بمرجة خير الدين (بين جندوبة وتبرسق)


- أراض بالسبالة قرب العاصمة .


- ثلاثة قصور بمنوبة وقرطاج وتونس (نهج التريبونال)


ولا ننسى أن أثاث قصوره كان مستوردا من أوروبا , وكانت له حديقة حيوانات شخصية , كما كان يشغل بستانيا فرنسيا في قصره بقرطاج , والأكيد أن لهذا الوزير مداخيل أخرى غير مرئية.


(كان الوزير الأكبر خير الدين يدعو للإصلاح وكان الأجدر أن يبدأ بنفسه ).



كانت الإدارة المحلية عتيقة وبدائية, وهناك 60 قايدا تقريبا يساعدهم الخلفاء والشيوخ .كانت هذه المناصب الإدارية منذ عهد حمودة باشا تباع وتشترى ( الإتفاق بالنسبة إلى القايد وطريق المشيخة بالنسبة إلى الشيخ) وقد ألغى أحمد باي (1837-1855) هذه الطريقة, لكنها تواصلت بأشكال مقنعة (الرشوة والهديا الإجبارية) . ولم يكن هؤلاء الإداريون يتقاضون أجورا, وإنما كانوا يقتطعون جزءا مما يستخلصونه من ضرائب (10 بالمائة نظريا) . وقد لوحظ منذ القرن 18 تشكل سلالات حقيقية من القياد : الجلولي (صفاقس) بن عياد (جربة) بن ساسي (الجريد) المرابط (القيروان) السبوعي (جلاص) قضوم (الفراشيش) بن خليفة (نفات).... وكانت المقاطعات الغنية (الشمال الحبوبي, الواحات,الساحل) حكرا على المماليك. وقد أثرى القياد بفضل تحكمهم في تجارة الزيوت والحبوب وممارستهم للقرصنة وحصولهم على لزمات (جمع لزمة) هناشير الباي والأسواق الأسبوعية الغنية والضرائب الهامة, وقد إنجر عن هذه اللزمات إستغلال فظيع للسكان .وكان قياد المناطق الغنية من المماليك لا يسكنون مقاطعاتهم الإدارية, إنما يسكنون العاصمة ويتحلقون حول بلاط الباي وينوبون عنهم في الجهات "خلفاء " (جمع خليفة ).



الأجهزة المالية للدولة

كانت الأجهزة المالية للدولة تحت رقابة دولية منذ 1869 , وذلك نتيجة عجز الدولة عن إرجاع الديون التي بذمتها (الكومسيون المالي) ونشير هنا إلى أن الدولة فقدت تدريجيا منذ القرن 16 (ظهور النظام الرأسمالي العالمي) وخاصة منذ القرن 19 أهم مواردها, وهي موارد النشاط القرصني الذي حجرته أوروبا بالقوة, وموارد التجارة الخارجية سواءا أكانت بحرية أم صحراوية, وهو ما جعل القائمين على شؤون الدولة يرتدون إلى الاقتراض من الأجانب وإلى الترفيع في الضرائب, وقد فرضت الدول الأوروبية الرأسمالية على تونس فتح حدودها أمام البضائع ورؤوس الموال الأوروبية باسم المبدأ الشهير دعه يعمل دعه يمر( سياسة الاتفاقيات اللامتكافئة les capitulations) : منع الباي من إحتكار التجارة الخارجية , حصول الأوروبيين على حق الاتجار بحرية في البلاد وعلى حق إشتراء الأراضي, عدم استخلاص الجمارك لأكثر من 3 % من قيمة البضائع الأوروبية المصدرة إلى تونس , عدم خضوع الأجانب للقضاء المحلي....., وقد أصبحت تونس تصدر إلى البلدان الأوروبية المواد الأولية بأبخس الأثمان وتورد بعض منتجات المصانع والكماليات لفائدة العائلة المالكة.
وكانت مداخيل الدولة (أو الباي) تتمثل في موارد هناشير البيليك والخطايا والمصادرات وبيع اللزمات وممارسة الباي لسياسة المشترى للتحيل على التزاماته مع الأوروبيين بعدم احتكار التجارة الخارجية
( إشتراء المحاصيل من أصحابها قبل نضجها بأثمان زهيدة وبصفة قسرية ), وضريبة 8 % من قيمة البضائع التي يصدرها التجار التونسيون,
كانت هذه الضرائب المباشرة : وهي المجبى والعشر والقانون .
المجبى (أو الإعانة ) هي ضريبة شخصية نقدية سنها أمحمد باي عام 1856 ويدفعها كل السكان الذكور البالغين ( باستثناء الجنود والطلبة ورجال الدين وأعوان الدولة والعجز), وهذا يعني أنها كانت ضريبة مفروضة فقط على الشرائح الاجتماعية الريفية والبدوية الفقيرة. وقد وفرت هذه الضريبة على سبيل المثال 45 % تقريبا من مداخيل الدولة في السنة الجبائية بين أكتوبر 1860 وسبتمبر 1861 , ومضاعفة هذه الضريبة من 36 ريال إلى 72 ريال كان السبب المباشر لاندلاع ثورة علي بن غذاهم سنة 1864 .
العشر : أداء عيني على الحبوب
القانون : أداء نقدي على الزياتين والحبوب .
وهناك ضرائب أخرى أقل شأنا مثل الضريبة على العسل والسمن والعلف والجلود...
أما الضرائب الغير مباشرة فهي المحصولات وهي أداءات نقدية وقع سنها عام 1838 وتدفع على كل ما يباع ويشترى في الأسواق (منتجات الفلاحة والصناعات التقليدية) والخروبة, وهي أداء نقدي على أكرية المحلات السكنية والتجارية.
علاوة على الضرائب الرسمية, هناك الرشاوي التي كان يبتزها أعوان الدولة بجشع لا يصدق أحيانا من السكان .
وقد مثلت الضرائب في القرن 19 عبأ ثقيلا على الناس إلى درجة أصبح معها وجودهم المادي مهددا, كما تراجعت بفعل ذلك قوى الإنتاج تراجعا مذهلا, إذ ارتد الكثير من السكان المستقرين إلى حياة البداوة أو فروا إلى الجزائر الفرنسية للإفلات من اضطهاد أعوان الدولة.
علاوة على هذه الضرائب المرتفعة, كانت الدولة تجبر البدو والفلاحين على العمل مجانا لإنجاز بعض الأشغال المتعلقة مثلا بترميم البنايات العمومية التي تداعى اغلبها إلى الخراب في النصف الثاني من القرن 19 ( القلاع والجسور ومقرات أعوان الدولة وقنوات المياه والمساجد والجوامع ) كما كثفت الدولة في القرن 19 من سياسة "التتريك" المتمثلة في مصادرة أموال الأغنياء لأتفه الأسباب.
ومارست الدولة في القرن 19 بصفة مستمرة سياسة التخفيض من قيمة الريال نظرا إلى حاجتها المتزايدة للمال وإلى محدودية رصيدها من الذهب والفضة. وقد فقد الريال جزءا كبيرا من قيمته وكانت النتيجة ارتفاع الأسعار والمضاربة والتكنيز وتكاثر العملة المزيفة وتهريب التجار للعملة الجيدة إلى الخارج , وأصبح النظام النقدي التونسي عبارة عن خليط غريب وعجيب من الوحدات الحسابية والنقود المحلية والأجنبية لا يفقه طلاسمه إلا أقلية من التجار المحنكين. وهو ما يمثل تربة خصبة للمضاربة وللتنازع بين الدائنين والمدينين وبين الشارين والبائعين , وأصبح الكثير يفضلون المقايضة على استعمال السكة المغشوشة والفاقدة لأية قيمة.

الجيش النظامي
أما بالنسبة للجيش النظامي, فإنه يتكون من بضعة ألاف من العساكر كانو قبيل 1881 في حالة مزرية من حيث اللباس والسلاح والانضباط وكان الإنكشارية (الأتراك أو المحسوبين من الأتراك) العامود الفقري لهذا الجيش, لكن البايات أزاحوهم تدريجيا نظرا إلى عدم ثقتهم في ولائهم لهم, وكانوا قبيل 1881 لا يتجاوزون بعض المئات المرابطين في ثكنة حلق الوادي وفي بعض ثكنات العاصمة. وحاول بعض البايات تعصير هذا الجيش بالاستعانة بالخبراء الأوروبيين وهم حمودة باشا الحسيني (1782-1814) وبدرجة أقل حسين باي (1824-1835), وخاصة أحمد باي (1837-1855) الذي أنفق أموالا طائلة في سبيل ذلك دون جدوى . أما محمد الصادق باي, فقد حاول الإعتناء بالجيش وأصدر قانون الخدمة العسكرية ( 7 فيفري 1860), لكنه إضطر ألى تسريح أغلبه نظرا إلأى عجزه عن إعالة اولائك العساكر. وكانت الحراسة الخاصة للباي مكونة من عسكر زواوة ( مرتزقة ينتمون على منطقة القبائل الجزائرية أو الشمال التونسي) ومن بعض المشاة وبعض رماة سلاح المدفعية. وهناك أيضا الصبايحية ( فرسان ينتدبون من القبائل وموزعين على أربعة أوجاق كل وجق يضم 500 صبايحي تحت إمرة كاهية ( كاهية تونس وكاهية باجة وكاهية الكاف وكاهية القيروان ).وهناك الحوانب (جمع حانبة) , وهم بمثابة الفرسان الذين يقومون بدور الشرطة ويتولون – بمعية الصبايحية- كذلك دور العدول المنفذين . وهناك فرسان القبائل الذين يسمون بالمزارقية (المزراق) . أما البحرية فكانت شبه منعدمة قبيل 1881 , والأسطول الذي أسسه أحمد باي إندثر جراء نقص الصيانة وضعف الخبرة التقنية.
كانت الخدمة العسكرية طويلة الأمد (8 سنوات ) وملقاة على عاتق فقراء الأرياف والبوادي لأن الغنياء يسمح لهم القانون بالإعفاء من الخدمة مقابل دفع المال أو الإتيان بمن يعوضهم .



الهياكل السكانية والإقتصادية
بدأ عدد السكان في التناقص منذ وباء 1784 . وقد تكاثرت الأوبئة في القرن 19 (1818-1849-1850) وخاصة أواخر الستينيات على إثر فشل إنتفاضة 1864 الشعبية ضد نظام البايات وما تلاها من قمع شديد ومجاعات وأوبئة جعلت الناس يرتدون في بعض المناطق إلى أكل لحوم البشر. ويجمع المؤرخون على أن عدد السكان لم يتجاوز المليون نسمة عام 1881 .
وينقسم السكان إلى أقلية من المستقرين وأغلبية من البدو (الصحراء) وأشباه البدو(الوسط) . وينقسم المستقرون بدورهم إلى ريفيين ( القبائل "الوطانة") وحضريين. ولم يكن عدد الحضريين ( ومهما كان التعريف الذي يمكن أن نعطيه للمدينة أو القرية) ليتجاوز عام 1860 , 15% أو 16% من مجموع سكان البلاد. وكان عدد سكان أية مدينة كبرى لايتجاوز بضع الألاف مثل سوسة والقيروان والكاف ومساكن والقلعة الكبيرة وصفاقس وقابس.
وكانت البلاد تضم بضع الأقليات وهي
- البربر: ويسكنون الجنوب الشرقي التونسي (1 %من مجموع السكان ) إلا انهم يتكلمون أيضا اللغة العربية جيدا. وليس هناك تناقض جوهري بينهم وبين السكان العرب.
- الأتراك أو المحسوبون من الترك (بعض المئات): نجدهم خاصة في تونس العاصمة والمهدية وهم من الضباط وكبار الأعيان ( رستم , حسين , سليم , عصمان , فرحات , بن عبد الله , خزندار...) وكانو يحتقرون السكان المحليين ولا يتزوجون منهم إلا نادرا .
- الزنوج (بضع الآلاف) نجدهم خاصة في الواحات وينحدرون من العبيد الذين جلبوا من إفريقيا السوداء : عمال بالحصة , خدم أو مزارعون صغار في أحسن الحالات. ولابد من التذكيلر هنا بأن أوروبا فرضت على تونس عام 1964 إلغاء العبودية.
- الطرابلسية : (بضع الألاف) نجدهم خاصة في الوطن القبلي وفي حوض مجردة : رعاة , خماسة , فلاحون صغار , مكاسرون ( إقتلاع السدر وتنعيم التربة).
- اليهود : (بضع عشرات الألاف) يعيشون أساسا من التجارة وخاصة من تجارة المال التي يستنكف أغلب المسلمين من ممارستها لأسباب دينية , وينقسمون إلى طائفتين : طائفة التوانسة (الأغلبية) وهم الذين جاؤوا البلاد منذ القديم (علوش , بونان, غزلان , معارك, زيتون , صباغ ....) وطائفة القرانة (أقلية) وهم الذين جاؤوا حديثا من أوروبا (فالنزي, كوستا, لومبروزو, فينزي...) وأغلب التوانسة فقراء , بينما القرانة أغنياء ويحملون الجنسية الإيطالية .ويعود اليهود في أحياء متميزة تسمى الحارات.
والتناقض الموجود بين الأغلبية المسلمة وهذه الأقلية اليهودية يعود لأسباب دينية وثقافية وخاصة إقتصادية ( ممارسة أغنياء اليهود للربا) .وإذاكان اليهود عرضة أحيانا لبعض أعمال العنف التي يمارسها ضدهم المسلمون فإن هذه الأعمال العنيفة لم تبلغ الموجات العنصرية الدموية الكبرى
(pogroms ) التي شهدها اليهود في أوروبا , وقد تقلد اليهود في تونس مناصب وزارية هامة في القرن التاسع عشر.
الأندلسيون: هم المورسكيون الذين أطردوا من الأندلس على إثر حركة الإسترداد الإيبيرية , وأهم موجة مهاجرين وقعت في بداية القرن 17 . عددهم بعض الألاف, ويسكنون قرى مثل نيانو وبلي وقرمبالية وقلعة الأندلس وتستور.... وهم يحملون مركب إستعلاء إزاء بقية السكان . وقد أعطوا دفعا لقوى الإنتاج في البلاد (الفلاحة السقوية ’غراسة الكروم , صناعة الشاشية) وللموسيقى (المالوف) وللحضارة في تونس بصفة عامة .
الغرابة : بعض الآلاف من الجزائريين الذين هاجروا إلى البلاد بعد إحتلال الجزائر 1830 أو بعد إنتفاضة المقراني 1870 .
الأوروبيون: بعض الآلاف خاصة في تونس العاصمة . وهم تجار ومرابون ميسورون ( فرنسيون وإيطاليون) ومن بينهم أيضا من كانوا فقراء ( مالطيون وصقليون )

السكان البدو وأشباه البدو

السكان البدو وأشباه البدو : يعيشون في إطار القبيلة (الإيمان بالانحدار من جد واحد ) .ضعفت هذه القبائل كثيرا منذ هيمنة العثمانيين على البلاد (نظرا لتركيزهم لجهاز عسكري وإداري ناجع واستعمال الأسلحة الثقيلة ) ونتيجة كذلك لضعف التجارة الصحراوية , وازداد ضعف هذه القبائل كثيرا بفعل الاختراق الرأسمالي الأوروبي للبلاد في القرن 19.وقد استقرت هذه القبائل في الأماكن التي يسكنها أحفادها اليوم وذلك في النصف الثاني من القرن السابع عشر وخاصة منذ القرن الثامن عشر الذي انتعشت فيه الحياة الاقتصادية وتوطدت فيه السلم الداخلية نسبيا وتراجعت فيه الأوبئة الخطيرة.
ورغم كل ما قيل عن خشونة طباع هذه القبائل ونزوعها إلى العنف والحرابة , فهي قبائل أكثر تطورا من نظيراتها في الجزائر والمغرب الأقصى وليبيا .لا ننسى أنها ورثت رغم سقوطها وسقوط البلاد في وهاد التخلف في القرون الماضية الكثير من مكتسبات الحضارات الراقية التي تعاقبت على هذه البلاد منذ القرطاجيين.
لقد كانت إيديولوجيا هذه القبائل قائمة لا فقط على الإيمان بعلاقات القرابة الدموية رغم صلابة ذلك الإيمان وإنما كذلك على الإسلام والعروبة وهو الشعور بالانتماء إلى رقعة جغرافية تمتد من المحيط إلى الخليج العربي . كما كان لهذه القبائل وعي بوجود فضاء معين هو البلاد التونسية , إذ كانت تجمع هذه القبائل والسكان الحضريين وحدة الأرض واللغة ووحدة الدين , كما إن تضاريس البلاد المحدودة الارتفاع لم تحل أبدا دون تمازج هذه القبائل بعضها ببعض أو دون تمازجها بالسكان الحضريين , كما أن تنقلات أفراد هذه القبائل منذ ألاف السنين من الوسط والجنوب في اتجاه الشمال للمشاركة في الحصاد(الهطاية) أو للرعي بقطعانهم (العشابة) أو اتجاه الجريد لشراء التمر لا يمكن إلا ان تخلق لدى هذه القبائل شعورا بوجود اقتصادي واحد تربط بين أجزائه علاقات تكاملية هو البلاد التونسية ولا أدل على ذلك من حمل الإناث في أوساط هذه القبائل لأسماء مثل تونس أو توزر أو نفطة وهي أسماء مدن تمثل الحدود الشمالية والجنوبية للبلاد الصالحة ( pays utile) . ونلفت الإنتباه كذلك إلى قدم ظاهرة الدولة المركزية في تونس وسيطرتها القوية نسبيا على أهم أجزاء المجال التونسي. وهذا من شأنه تدعيم الوعي لدى هذه القبائل بوجود وطن حدوده تقريبا حدود تونس اليوم.
لكل هذه الأسباب لم تكن تونس ولايمكن ان تكون ابدا مخبرا يجرب فيه علماء الأنتروبولوجيا الغربيين مقولاتهم على غرار ما يقومون به في بعض البلدان المجاورة الأقل تطورا على المستوى الحضاري من تونس.

القبائل

كانت هذه القبائل تنقسم إلى صفين في الشمال والوسط : الصف الحسيني والصف الباشي ( يعود هذا الإنقسام إلى الحرب الأهلية بين حسين بن علي وإبن اخيه علي باشا في الفترة بين 1735 و1740 ) . وقد عملت الدولة دائما على إنعاش التناقض بين القبائل إنطلاقا من مبدأها " الشجرة تحرق بعود منها" كما حاولت في النصف الثاني من القرن 19 إجبار البدو على الإقامة قرب الثكنات العسكرية أو قرب زمالات القياد لتسهل عليها مراقبتهم.
الصف الحسيني: الهمامة , دريد , نفات .......
الصف الباشي : السواسي ,أولاد سعيد ,أولاد عيار, ونيفة, الفراشيش, ماجر , المثاليث....
كانت الدولة تعتمد على قبائل الصف الحسيني أو القبائل المخزنية فيما يتعلق بإستخلاص الضرائب وفرض الأمن, وكان رؤساء هذه القبائل وأعيانها يتمتعون بإمتيازات جبائية وعطايا متنوعة.
في الجنوب : هناك إنقسام بين القبائل إلى صف شداد وقبائل صف يوسف ,ونحن لا نعرف شيئا ثابتا عن أصل هذا الإنقسام
صف شداد : بنو زيد , الحمارنة, الحزم....وصف شداد هو عادة حليف الصف الباشي.....
صف يوسف : ورغمة , المرازيق... وصف يوسف هو عادة حليف الصف الحسيني ..
وكانت الإغارات والنهب هي الخبز اليومي لأفراد القبائل, لكن هذه القبائل كانت تتجاوز أحيانا إنقساماتها التقليدية وتتوحد إذا ما وجدت نفسها امام عدو مشترك.وإن كان إعتراف كل هذه القبائل بسلطة الباي من محصول حاصل , فإن من بينها قبائل ومجموعات "أهل المنعة" كانت لا تدفع الضرائب أو كانت تدفعها بصعوبة بالغة (مقعد , خمير , المنطقة جنوب الواحات , جبال الوسط الغربي) . وهناك قبائل مرابطية مسالمة غالبا مثل المعاوين (الوطن القبلي ) أوالمهاذبة (الوسط) .
أما القبائل القوية فكانت تحصل على إتاوات من المجموعات القروية المسالمة مثل الإتاوات التي كان يحصل عليها أعيان قبيلة دريد بإعانة الدولة من واحات الجريد أو الإتاوات التي كان يحصل عليها فرسان قبيلة الودارنة في إطار عقد الصحابة من القرويين القاطنين بمنطقة الجبالية ( شنني .الدويرات.قرماسة...)
أما القبائل القوية فكانت تحصل على إتاوات من المجموعات القروية المسالمة مثل الإتاوات التي كان يحصل عليها أعيان قبيلة دريد بإعانة الدولة من واحات الجريد أو الإتاوات التي كان يحصل عليها فرسان قبيلة الودارنة في إطار عقد الصحابة من القرويين القاطنين بمنطقة الجبالية ( شنني .الدويرات.قرماسة...)

التجمعات السكنية الكبرى
تنقسم التجمعات السكنية الكبرى إلى مدن وأرباض وهناك الأعيان والعامة والأعيان هم الأتراك وعلماء الدين من أيمة وقضاة ومدرسين وعدول ( العلماء الحنفيون : بالخوجة , بيرم .... العلماء المالكيون : النيفر , بن عاشور , بن محمود , الصدام , السقا , الشرفي , الفوراتي.... والعائلات المرابطة (بن عروس , الباهي , الغرياني و عزوز ) والعائلات الشريفة (محسن , الشريف , بن عاشور..)والعائلات المخزنية ( بن ضياف , العروسي , الأخوة , عبد الوهاب , بن عمار , بن عياد , السبوعي , قضوم , دبيش , جلولي ....) والأندلسيون وأصحاب الصناعات الحرفية المعتبرة نبيلة ( الشاشية , الحرير , العطورات....) ويسمون أنفسهم بالبلدية.
علاوة على الأعيان نجد في المدن الفقراء وعددهم كبير جدا.
الحرفيون والتجار
كانو مؤطرين ضمن جمعيات ( corporations ) وتخضع الجمعية لتراتبية معينة ( الأمين , المعلم أو السطا , القلفة , نصف القلفة ( أحيانا ) ثم الصانع ) وتراقب الدولة هذه الجمعيات عن طريق الأمين الذي تعينه هي . وهناك أحياتا أكثر من جمعية واحدة لنفس المهنة ( سياسة فرق تسد) والارتقاء في صلب الجمعية صعب جدا , كما أن هناك جمعيات تعتبر نفيسة , وهي القريبة أسواقها من المسجد الجامع ( الشواشين , الحرائريون , العطارون ..) وجمعيات تعتبر خسيسة , وهي البعيدة أسواقها عن الجامع ( الحلاقون , الحدادون , الصباغون ....)
التجارة التفصيلية
كانت بأيدي الجرابة والصفاقسية واليهود ( تجار جربة في الشمال وتجار صفاقس في الوسط والجنوب , واليهود في المدن وخاصة في تونس العاصمة ) وقد إنطلقت هجرة الجرابة إلى الشمال منذ القرن 18 .
بالنسبة للصناعات الحرفية , هناك قطب تونس العاصمة وقطب الساحل وقد طورت هجرة المورسكيين الصناعات الحرفية وخاصة صناعة الشاشية (أم الصنائع) التي كانت لها أسواق فسيحة ( المنطقة العربية , أجزاء من إفريقيا , وآسيا و أوروبا ), وكانت هذه الصناعة من حيث تقسيم العمل والتقنيات وحجم الإنتاج في نفس مستوى التطور الذي بلغته الصناعات المانيفكتورية الفرنسية قبيل الثورة الصناعية في القرن 18.
بدأت أوضاع هذه الصناعات الحرفية تسوء في القرن 19 نتيجة المنافسة الأوروبية , كما أن التجارة الخارجية وجزءا من التجارة الداخلية أصبح بيدي يهود القرانة وتجارة جنوة ومرسيليا .
ويعتبر الكثير من المؤرخين أن الصناعات الحرفية التونسية وخاصة منها صناعة الشاشية رغم تطورها اللافت للنظر كانت تشكو من جملة من المعوقات التي تمنعها من تثوير القاعدة المادية للبلاد , إذ علاوة على المنافسة الرأسمالية الأوروبية هناك:
- سيطرة كبار التجار على الحرفيين على مستوى التزويد بالمواد الأولية وتسويق الإنتاج .
- نظام الجمعيات الذي كان عائقا كبيرا أمام تطور الإنتاج لأنه يمنع المنافسة بين الحرفيين.
- ممارسة السلطة السياسية بصفة دورية لسياسة التتريك الشنيعة , أي مصادرة الأملاك والحيلولة بالتالي دون أية عملية تركيم للثروة في أوساط الحرفيين
الفلاحة
كانت قائمة على زراعة الحبوب وتربية الماشية , وهذه الفلاحة هي العمود الفقري للإقتصاد , إلا أن أجهزة الإنتاج كانت عتيقة جدا وذات مردود منخفض ( تعود بعض أدوات الإنتاج إلى العصر الحجري مثل اللرحى الحجرية ,والمردود الحبوبي لا يتجاوز في أحسن منطقة فلاحية وهي الشمال 5 أو 6 قنطارات في الهكتار الواحد في السنوات الجيدة) وكان الجفاف المزمن خاصة في الوسط (http://www.tunisia-cafe.com/vb/forumdisplay.php?f=4)والجنوب يأتي من حين إلى آخر على الزرع والضرع في هذه المناطق, فيهرع سكانها إلى الشمال الحبوبي بحثا عن القوت لأنفسهم (الهطاية) والعشب لحيواناتهم (العشابة).




مع تحيات منتديات تونيزيا كافيه

http://www.tunisia-cafe.com/

المسلسلات التركية
10-12-2010, 06:39 PM
بحث شامل تونس قبل 1881

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

gem
12-18-2010, 09:10 PM
بحث شامل تونس قبل 1881

http://img8.imageshack.us/img8/8715/tunisiacafecom.gif (http://tunisia-cafe.com/vb)

تونس 2050 tounes
08-14-2015, 02:35 PM
بحث شامل تونس قبل 1881


http://img8.imageshack.us/img8/8715/tunisiacafecom.gif (http://www.tunisia-cafe.com)