معهد العربية للدراسات : دراسة معمقة : سيناريوهات خروج النهضة من الحكم في تونس النهضة ما بعد الحكم



دراسة: سيناريوهات خروج النهضة من الحكم بتونس

نشر معهد العربية للدراسات على موقعه، دراسة تحت عنوان: “النهضة والخروج من حكم تونس: العوامل السيناريوهات المحتملة”، للباحث والصحافي التونسي منذر بالضيافي.
وتناول فيها الباحث قبول حركة النهضة الخروج بصفة سلمية من الحكم، على خلاف ما حصل في مصر، وهو ما جنب حصول صدام بين الإسلاميين والمجتمع والدولة، وأسس لأنموذج مرشح للتعايش بين الإسلاميين والعلمانيين، ضمن نظام ديمقراطي ودولة مدنية.

وجاء في الدراسة، أنه وبعد أزمة سياسية، استمرت خمسة أشهر كاملة، كان من أبرز مظاهرها، تعطل نشاط المجلس الوطني التأسيسي، المكلف بكتابة الدستور، واقتصار عمل الحكومة القائمة، التي كانت تقودها حركة النهضة الإسلامية على ما يشبه تصريف الأعمال.

وأعلن في تونس في التاسع من يناير الجاري، عن استقالة الحكومة، وبالتالي خروج حركة النهضة من حكم تونس، التي جاءت إليه بعد فوزها في انتخابات 23 أكتوبر 2011. وفق سيناريو أعاد إنتاج ما حصل مع إخوان مصر، لكن بطريقة ناعمة وسلمية، وهي من خصوصيات الأنموذج التونسي، المستمدة من التراث الثقافي السياسي، الذي قام على أساس مبدأ التحييد “الإيجابي” للمؤسسة العسكرية عن الحياة السياسية.

خروج سلمي من السلطة

وأشارت الدراسة إلى أن قبول حركة النهضة، الخروج بصفة “سلمية” من الحكم، ينظر إليه على أنه مثل مخرجا “مشرفا” للإسلاميين بديلا عن “الانتحار السياسي” في سدة الحكم. كما أنه عبر عن قراءة موضوعية من قيادة الحركة –خاصة زعيمها الشيخ راشد الغنوشي- لموقع “الجماعة” في المشهد التونسي. هذا ما يجعل منه قرارا براغماتيا، بالنظر إلى المتغيرات والتحولات الإقليمية والدولية، في علاقة بمستقبل وجود تيار الإسلام السياسي في الحكم. كما لا يجب أن ننسى أنه جاء بعد تواصل استمرار مفعول تفاعلات “الصدمة” المصرية، المتمثلة في سقوط حكم الإخوان. الذين خيروا العنف على الحل السياسي، من خلال إعلانهم شن حرب على المجتمع والدولة. ما جعلهم يتحولون إلى “جماعة إرهابية” مطاردة أمنيا، وهو المصير الذي يبدو أن قيادة النهضة التونسية عملت على تجنبه، حتى وإن كان المقابل الخروج من الحكم.
وقرار النهضة بالخروج بصفة “سلمية”، عبرت عنه الحركة في بيان بعد استقالة رئيس الحكومة، التي أفرزتها أول انتخابات حرة في تاريخ البلاد، من خلال التأكيد على أنه “فتح أفقاً جديداً للتداول على السلطة تعزز فيه الشرعية الانتخابية بالتوافق الوطني”. و”إن أهمية النجاح الذي تحقق في تونس من خلال الانتقال السلس للسلطة في هذه المرحلة من الحوار الوطني يقاس بحجم التحديات والتهديدات التي اعترضت سبيل الانتقال الديمقراطي وانتصر فيها خيار الحكمة والمسؤولية والتوافق على خيار المغامرة والتشكيك في جدية حركة النهضة وفي قدرة الشعب على حماية ثورته والدفاع عن مكاسبها”.

النهضة ما بعد الحكم

وتطرق الباحث إلى التساؤل حول مستقبل حركة النهضة بعد خروجها من السلطة، وهي كالتالي:
سيناريو التفكك:
بدأت إرهاصات الاختلاف داخل تنظيم النهضة، بعد قبول قيادة الحركة “التنازل” عن الحكم والخروج منه، وهي تباينات مرشحة للتطور مستقبلا، عبر حصول انشقاقات متوقعة للجناح الذي يوصف بـ”المتشدد” والذي رفض مغادرة الحكم، بدعوى “أنه يمثل تفريطا في الأمانة” التي منحها لهم الشعب، خلال انتخابات حرة وديمقراطية.
كما يتوقع حصول انشقاقات، بسبب اقتناع البعض من المحافظين أو المحسوبين على “التيار السلفي” في الحزب، بأن الحركة “زاغت” عن وفائها لمبادئها التي تم تضمينها في وثيقة “الرؤية الفكرية والأصولية لحركة النهضة”.

سيناريو الانكماش والمحاصرة

يقوم على تصور أن فشل الحركة في الحكم، سيكون له تأثير على جماهيرية الحركة، وبالتالي تراجع حظوظها في الاستحقاقات الانتخابية القادمة. ما سيفرض عليها خيار “الانكماش”، الذي يتوقع أن يفرض على الحركة، من خلال عدم استبعاد حصول تحول في استراتيجية السلطة في التعامل مع الإسلاميين، وبالتالي عودة أسلوب ومنهج المحاصرة والتضييق الأمني، الذي كان متبعاً قبل ثورة 14 يناير 2011.
سيناريو التطور إلى حزب إسلامي/محافظ

هناك من لا يستبعد أن ينجح التيار البراغماتي داخل الحركة، في إحداث مراجعات جذرية، وإعادة تجربة الأحزاب المسيحية في أوروبا. وهذا السيناريو مرجح جدا، ولعل الحقل الثقافي والسياسي التونسي، المستفيد من إرث تراكم الحركة الإصلاحية التي قامت على التزاوج بين الإسلام والحداثة، خاصة مع خير الدين باشا صاحب كتاب “أقوم المسالك” تسمح بذلك، بل إنها تدفع نحو نحت أنموذج تونسي، وأظن أن طيفا واسعا من الحركة الإسلامية في تونس مستعد لذلك.

وفي المدى القريب والمتوسط، وفي ظل استمرار ما يعرف بـ”الحالة الثورية”، فإن التيار الإسلامي – ممثلا في حركة النهضة – سيحافظ له على موقع قدم داخل الحقل السياسي. بل إنه ربما سيكون قادرا على الفوز في الانتخابات القادمة، بسبب تواصل ضعف المعارضة الديمقراطية وتشتتها. وهذا ما أشارت إليه آخر استطلاعات الرأي، حول نوايا تصويت التونسيين في الانتخابات القادمة.

كما ستستفيد النهضة من اختارها تسليم السلطة بصفة سلمية، الذي أظهرها بمظهر الحزب الديمقراطي، وهو ما أشار إليه الباحث في “معهد واشنطن”، ديفيد بولوك، الذي أكد على أن الإعلان عن تعيين رئيس وزراء جديد لرئاسة حكومة انتقالية في تونس “يمثل أهمية رمزية تتعدى حدود البلاد. إن اختيار مهدي جمعة غير المشهور، وشخصية مستقلة رسمياً، يمثل فرصة نادرة للغاية – ربما تكون المرة الأولى على الإطلاق، في أي مكان – يتنازل فيها حزب إسلامي طواعية عن السلطة السياسية دون حرب أهلية أو عنف جماهيري أو تدخل عسكري من أي نوع.

إن هذا الحزب في هذه الحالة هو “النهضة”، الذي قاد التحالف الحاكم في تونس بعد فوزه بما يقرب من 40 بالمئة من الأصوات في الانتخابات التي أعقبت الثورة والتي جرت في أكتوبر 2011. بيد، منذ ذلك الحين تعرض الحزب لضغوط شعبية (وإن كانت غير عنيفة) للتنحي والسماح بإجراء انتخابات جديدة كان من المفترض إجراؤها منذ فترة طويلة في ظل حكومة “تكنوقراطية” غير حزبية”.

المصدر: العربية نت





موقع وظائف للعرب في تونس والجزائر والمغرب العربي والخليج والشرق الاوسط واوروبا من هنا