FaReS_X2
06-29-2010, 02:16 PM
جريمة النصب والاحتيال - الأسباب والمظاهر والعلاج مع نماذج تطبيقية
عبد العزيز بن عبد الرحمن الشبرمي
المقــدّمة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ، ونستغفره ، ونتوب إليه ،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا ، من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداٌ عبده، ورسوله ،صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه ، وسلم تسليماُ كثيراً، أما بعد :
فقد تبوأت جرائم النصب والاحتيال موقعاً متقدماً في مصاف الجرائم الخطيرة، والتي يعاني منها المجتمع الآمن على نفسه، وماله، ومقدراته ، وتنوعت وسائل هذا النوع من الجرائم، ولكنها مع اختلافها ،إلا إنها تتفق وغيرها في التمويه ،والخداع ،والتغرير، الأمر الذي جعل هذا الجرم ينخر في المجتمع ،في نواحيه الاقتصادية، والتنظيمية،والاجتماعية ،ويطال الفرد والمؤسسة ،والمجتمع بكليته .
ولا شك أن الازدياد المطّرد ،والملحوظ في أعمال جريمة النصب ،والاحتيال يسببه استمرار الضحايا الكثيرين بالتحلي بالبساطة ،والسذاجة المترتبة على الخلل الكبير في القيم الثقافية، والتربوية، يسنده وجود نفوس شريرة لا يهنأ لها مقام، وهي ترى المال بأيدي هؤلاء البسطاء ،ولو كان من عرق جبينهم ، وكدح أيديهم .
وما هذا البحث المتواضع ،إلا محاولة في تناول هذه الجريمة، وتناول مفهومها ، وأركانها والمحكمة المختصة في نظرها، والحكم بها ، ومحاولة لإبراز علاج ناجع لها.
وقد قسمت هذا البحث إلى مقدمة وستة أبواب فيها فصول ومباحث على النحو التالي:
الباب الأول:مفهوم النصب والاحتيال، وتحته فصلان:
الفصل الأول: مفهوم النصب وتحته مبحثان:
المبحث الأول: مفهوم النصب في اللغة.
المبحث الثاني:مفهوم النصب عند أهل القانون.
الفصل الثاني: مفهوم الاحتيال وتحته ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: مفهوم الاحتيال في اللغة.
المبحث الثاني: مفهوم الاحتيال عند أهل القانون.
المبحث الثالث:الحيلة في اصطلاح الفقهاء.
الباب الثاني: خطوات الجريمة وصفات المجرمين، وتحته فصلان:
الفصل الأول: الخطوات الرئيسية للنصب التي يسلكها المحتال للاستيلاء على مال الغير.
الفصل الثاني: بعض الصفات التي يحملها الشخص الممارس لجريمة النصب والاحتيال.
الباب الثالث: أركان جريمة النصب والاحتيال، وتحته فصلان:
الفصل الأول: الركن المادي
الفصل الثاني: الركن المعنوي
الباب الرابع: خصائص جريمة النصب والاحتيال، و علاقة النصب بالاحتيال: وتحته فصلان:
الفصل الأول: خصائص جريمة النصب والاحتيال
الفصل الثاني:علاقة النصب بالاحتيال
الباب الخامس:موقف الفقه الإسلامي من النصب والاحتيال، والمختص بنظرها،وتحته فصلان:
الفصل الأول:حكم الحيل في الفقه الإسلامي وتحته مبحثان:
المبحث الأول:الحيل المشروعة وتحته ثلاثة فروع:
الفرع الأول - أن تكون الحيلة محرمة ويقصد بها الوصول إلى المشروع
الفرع الثاني - أن تكون الحيلة مشروعة وتفضي إلى مشروع
الفرع الثالث - أن تكون الحيلة لم توضع وسيلة إلى المشروع فيتخذها المحتال وسيلة إلى ذلك.
المبحث الثاني: الحيل المحرمة وتحته ثلاثة فروع:
الفرع الأول- أن تكون الحيلة محرمة ويقصد بها محرم
الفرع الثاني - أن تكون الحيلة مباحة في نفسها ويقصد بها محرم
الفرع الثالث- أن تكون الحيلة لم توضع وسيلة إلى المحرم بل إلى المشروع , فيتخذها المحتال وسيلة إلى المحرم.
الفصل الثاني: المحكمة المختصة في جرائم النصب والاحتيال
الباب السابع:الآثار السلبية الناجمة من جرائم النصب والاحتيال وطريقة معالجتها، وتحته فصلان:
الفصل الأول: الآثار السلبية الناجمة من جرائم النصب والاحتيال وتحته ثلاثة مباحث:
المبحث الأول:الآثار السلبية على الجانب الاجتماعي .
المبحث الثاني:الآثار السلبية على الجانب التنظيمي .
المبحث الثالث:الآثار السلبية على الجانب الاقتصادي.
الفصل الثاني: معالجة جريمة النص والاحتيال.
تطبيقات قضائية.وتحته تطبيقان.
الخاتمة وأهم النتائج.
وإني-قبل ذلك وأثناءه وبعده-لأحمد الله على توفيقه، وتسديده ، وصلى الله ،وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين .
الباب الأول : مفهوم النصب والاحتيال:
الفصل الأول:مفهوم النصب:
المبحث الأول: النصب في اللغة:
أطلق المعاصرون لفظة "النصب"ويريدون بها الكذب، والخداع ،والاحتيال سواء اقترن ذلك ِبجُرْم أخْذ المال ،أم لا ، وقد حاولتُ البحث عن أصل كلمة النصب، فلم أجدها تطلق عند العرب على الكذب، ولكن العرب يطلقونها على قريب من المخادعة، والحيلة، ومن ذلك : وضع الشيء ورفعه وإقامته ويوضح هذا الشيء بأنه: حبل الصيد فقد جاء في أساس البلاغة :نصب حبالته وحبائله. وحبل الصيد، واحتبله: أخذه.فكأنَّ الصائد يحتال على صيده، وينصب له الفخ ليقع فيه، فالمحتال على أموال الغير ينصب فخه بالمظاهر المزيفة ،والألفاظ العذبة الخادعة، ليقع في شراكه البسطاء ،والسذّج، وربما الأشخاص العاديون، ومن إطلاقات العرب للنصب : اللحن بالقول، والكلام الملحون المنمق ، جاء في لسان العرب:ًوهو-أي النصب- ضَرْبٌ من أَغانيّ العَرب شَبيهُ الحُداءِ وقيل :هو الذي أُحْكِمَ من النَّشِيد، وأُقِيمَ لَحْنُه ،ووزنُه وفي الحديث :كُلُّهم كان يَنْصِبُ أَي يُغَنِّي النَّصْبَ ،ونَصَبَ الحادي حَدا ضَرْباً من الحُداءِ فكأن المحتال يلحن القول، ويحسنه، لكي يغري الآخرين بتصديقه ،والوثوق به، ومن إطلاقاتهم للنصب : التعب والإعياء جاء في اللسان: والنَّصْبُ وَضْعُ الشيءِ، ورَفْعُه نَصَبه يَنْصِبُه نَصْباً ،ونَصَّبَه فانْتَصَبَ قال فباتَ مُنْتَصْباً وما تَكَرْدَسا ،أَراد مُنْتَصِبا ونَصَبَ له الحربَ نَصْباً وَضَعَها وناصَبَه الشَّرَّ والحربَ والعَداوةَ مُناصبةً أَظهَرَهُ له، ونَصَبه وكلُّه من الانتصابِ والنَّصِيبُ الشَّرَكُ المَنْصوب ونَصَبْتُ للقَطا شَرَكاً ويقال نَصَبَ فلانٌ لفلان نَصْباً إِذا قَصَدَ له وعاداه وتَجَرَّدَ له فكأنَّ المحتال محارب لأصحاب المال والثروة، يريد مخادعتهم، والاستيلاء على ما بأيديهم،فيصيبهم بذلك الهم ،والحزن، والألم، حيث إن النصب يطلق أيضا عند العرب على الألم والتعب والشر والبلاء.
المبحث الثاني: النصب في تعريف أهل القانون:
الاستيلاء على شي مملوك، بطريقة احتيالية بقصد تملك ذلك الشيء، أو الاستيلاء على مال الغير بطريق الحيلة نيته تملكه ،أو الاستيلاء على مال منقول مملوك للغير، بناء على الاحتيال بنية تملكه ، والشخص الذي يمارس ذلك يسمي النصاب، أو الدجال، أو المحتال.
الفصل الثاني: مفهوم الاحتيال :
المبحث الأول:مفهوم الاحتيال في اللغة:
يتناول علماء اللغة الاحتيال ويريدون به ما يتعلق بالدهاء والحذق وحسن التصرف ومن ذلك ما جاء في لسان العرب: والاحتيال والتَّحَوُّل والتَّحَيُّل كل ذلك الحِذْقُ وجَوْدَةُ النظر والقدرةُ على دِقَّة التصرُّف فالمحتال لابد أن يكون حاذقا وماهرا في استدراج المراد سلب ماله كما أنه لابد أن يتميز بدقة في النظر يتبعها حسن للتصرف في ما يرده إليه من تساؤلات المسلوبين قبل الاحتيال وأثناءه وبعده.
وقد يراد بالاحتيال المراوغة وقلب الباطل حقا كما جاء في معجم لغة الفقهاء من أن الاحتيال: الحذق في تدبير الأمور، وهو التوصل بما هو حلال إلى ما هو حرام أو التوصل بما هو مشروع لما هو غير مشروع، وهو تقليب الفكر حتى يهتدي إلى المقصود ، وأكثر استعمال الحيلة ففيما في تعاطيه خبث وقد تستعمل فيما فيه حكمة، كما يطلق الاحتيال على البصير بتقليب الأمور فالمحتال يقلب الباطل وهو الكذب والتزوير والمظاهر الزائفة إلى حق لا يقبل التكذيب فينساق الناس الطبيعيون وراء هذا الباطل الملبس بلبوس الحق.
وقد يراد به الكيد كما قال الزبيدي:المُحتالٌ هو ذو الكَيْدٍ فالمحتال عظيم الكيد لأصحاب الأموال والمقدرات لاسيما إذا كانوا على جانب من البلاهة والبساطة.فيكيد لهم كل كيد حتى يستولي على ما بأيديهم.
المبحث الثاني: مفهوم الاحتيال في الاصطلاح:
أما الحيلة في اصطلاح الفقهاء فهي أخص من معناها في اللغة ،فهي نوع من العمل الذي يتحول به فاعله من حال إلى حال، ثم غلب استعمالها عرفا في سلوك الطرق الخفية
التي يتوصل بها إلى حصول الغرض ،بحيث لا يتفطن لها إلا بنوع من الذكاء والفطنة.
المبحث الثالث: الاحتيال في القانون:
أما القانونيون فيعرفون الاحتيال بأنه:فعل ادعائي كاذب معزز بمظاهر خارجية يمارسها المحتال لكي يتم له الاستيلاء على مال الغير.
الباب الثاني خطوات الجريمة وصفات المجرمين، وتحته فصلان:
الفصل الأول: الخطوات الرئيسية للنصب التي يسلكها المحتال للاستيلاء على مال الغير.
1- تحديد موقع الشخص المراد خداعه وتقصي معلومات عنه.
2- كسب ثقة الشخص المراد خداعه من خلال الظهور بمظهر الحرص عليه، والاهتمام به.
3- إبراز الصفات الخادعة للشخص المراد خداعه ، وإخفاء الصفات السيئة، وادعاء الاستقامة، والنزاهة، والشرف، والأمانة.
4- إثارة شهية الشخص المراد خداعه في جمع مال كثير في وقت قصير .
5- إقناع الشخص المراد خداعه بالفائدة الربحية المتوقعة .
6- إعطاء الشخص المراد خداعه أرقام، وإثباتات بشكل موثوق بها حول المبلغ المستثمر
7- دغدغة أحلام الشخص المراد خداعه في الثراء المأمول، والقادم
8- الحصول على رضى الشخص المراد خداعه .
9- الابتعاد عن الشخص المراد خداعه بعد الاصطياد، والوقوع به في الفخ
10- إيقاع الشخص المراد خداعه بالمصيدة بشكل كامل، من خلال الخفة، والمهارة الفائقة (ديفيد ماورير 1974م)
الفصل الثاني: بعض الصفات التي يحملها الشخص الممارس لجريمة النصب والاحتيال.
يتميز المحتال ببعض الصفات السيئة التي تنبئ عن الشر والحقد والطمع وقلة الخوف من الله سبحانه، ويكاد يجمع المحتالون على التحلي بهذه الصفات التالية:
1- سوء الخلق .
2- قابلية التبرير العقلي للسلوك المتناقض.
3- الافتقار لقاعدة أخلاقية رصينة .
4- تقلب الرأي والمواقف مع الآخرين عند التعامل معهم.
5- عدم الثبات والاستقرار النفسي.
6- الرغبة الجامحة في كسر القانون السائد.
7- وجود خلفية إجرامية
كما أن المحتال يمتاز بعدة مميزات منها ما يلي:
1- الذكاء الحاد، والرفيع.
2- القدرة على الابتكار، والتجديد .
3- اختلاق الحيل بمختلف الأساليب .
4- الفصاحة البارعة.
5- القدرة على التلون حسب الوضع المراد .
6- الجرأة، والوقاحة.
7- استغلال الظروف، والمواقف.
8- القدرة على التمثيل.
9- الاستعراض، والمباهاة، والاهتمام بالمظهر.
10- التجوال الدائم، وعدم الاستقرار .
11- انعدام الإحساس، والضمير الحي.
12- الطموح الشديد.
13- الخوف الدائم من المستقبل .
14- الاتصاف بالأخلاق المتدنية.
الباب الثالث: أركان جريمة النصب والاحتيال:
لابد في كل جريمة من توافر ركنين اثنين، وهما الركن المادي، والركن المعنوي ،أو الركن الشرعي ،وجريمة النصب والاحتيال لا بد فيها من وجود هذين الركنين، ليتم وصف التجريم على هذه العملية، ولكي يتضح الأمر لا بد من تبيان لهذه الأركان على التفصيل:
الفصل الأول : الركن المادي
والذي يتمثل بوجود فعل مشاهد في الخارج يحس به، ويتكون هذا الركن من عناصر ثلاثة وهي :
الأول: النشاط الإيجابي "الاحتيال".
الثاني: النتيجة الإجرامية" الاستيلاء".
الثالث: علاقة السببية.
والمقصود بالنشاط الإيجابي هو: ممارسة المحتال لأساليب- لابد أن تكون محددة- لمزاولة عملية النصب والاحتيال طبقاً لقانون "لا عقوبة ولا جريمة إلا بنص" .. وهذه الأساليب هي:
أ- استعمال الطرق الاحتيالية.
ب- التصرف في مال الغير.
ج- اتخاذ اسم أو صفة كاذبة وغير صحيحة .
ومعنى استعمال الطرق الاحتيالية هو: إتيان المحتال مظاهر خارجية تدعم كذبة، وتكون الغاية من ذلك تحقيق أمور غير مشروعة.
والمظاهر الخارجية هي التي تلقي في روع المجني عليه، -والمتمثل بالشخص العادي- الطمأنينة ، والتصديق فيسلّم بما يقوله الجاني أو يطمح إليه .
ومن تلك المظاهر :
الأوراق المزورة والتي يبرزها الجاني، ليدعم بها موقفه ،ويؤكد أمام المجني عليه صدق ما يقول، وهي غير مطابقة للواقع .
ومثال ذلك : إبراز عقد وكالة ،أو شراكة مع أحد رجال الأعمال المشهورين، والمرموقين، وهي في حقيقتها وثيقة مزورة .
الاستعانة بالغير : والذي قد يكون قريباًَ من الجاني كزوجته ، أو ولده، أو غير ذلك مما يدخل الطمأنينة على المجني عليه ، ويشترط القصد الجنائي في هذا المتدخل وإلاّ فالجريمة لا تقع عليه بل تقع على المستعين به .
مباشرة بعض الأعمال الداعمة لكذب الجاني :
وذلك كقيادته سيارات فارهة، أو سكني فنادق شهيرة، أو إسراف في المصروفات، مما يغري الشخص العادي فينخدع به .
الغش التجاري: والمتمثل بتقديم سلعة متشابهة مع السلعة الحقيقية مع اختلاف كبير في القيمة ،لإدخال الوهم في نفس المجني عليه، ومن ثم التعاقد معه، وممارسة الاحتيال عليه.
استغلال الصفة : والقصد من ذلك أن يستغل الجاني صفةً ما يتمتع بها، لتدعيم كذبه ،واحتياله كاستقلال رجل مشهور بالتدين، والصلاح أو ذي سلطة، أومنصب مرموق .
ولا يكفي مجرد هذه المظاهر بل لا بد من وجود الهدف منها وهو احد هذه الأمور الآتية:
وجود مشروع كاذب : ويشمل جميع أنواع المشاريع التجارية والصناعية والمزارع والمالية
وجود واقعة مزورة : وتشمل جميع أنواع الوقائع شريطة أن تكون مجانبة للحقيقة
إحداث الأمل والفأل لحصول ربح :وذلك من خلال المقارنات والأسباب والدلائل الكاذبة والتي ينتج عنها بالطبع نتيجة كاذبة .
إحداث الأمل بتسديد وإرجاع المبلغ الذي أخذ بطريقة الاحتيال :ومثاله وعد الجاني بإعادة المبلغ المستلم من المجني عليه بصفته قرضا وتحرير كمبيالة بذلك أو شيك بدون رصيد أو قد أشهر إفلاس الجاني.
وأما الأسلوب التالي من العنصر الأول من الركن المادي وهو التصرف في مال الغير والمراد به: كون هذه الأساليب ،والأنشطة من شأنها تخويل الجاني التصرف بمال غيره من الناس بدون وجه شرعي، ونتج التصرف بسبب هذه المظاهر الخادعة، والوعود الزائفة .
والتصرف قد يكون ناقلاً للملكية كالبيع أو المقايضة أو الهبة، وقد يكون موثقاً للعين كالرهن ونحوه.
وأما الأسلوب الثالث من العنصر الأول ، الركن المادي فهو : اتخاذ اسم أو صفة مكذوبة .
والمراد بذلك تسمي الجاني باسم له قيمة معينة ،أو انتحاله لصفة معتبرة ذات قيمة ،كاسم رجل أعمال، أو رجل ذي صفة مقدرة، أو وظيفة ذات طابع اجتماعي كبير،أو ذات طابع سياسي مخوف.
أما العنصر الثاني من الركن المادي وهو حصول النتيجة الإجرامية وهي " الاستيلاء":
فلا بد من حصول هذه النتيجة، وهي استيلاء الجاني على مال الغير، أو على شيء ذي قيمة ،يملكه الغير.
ويشترط في ذلك أن يكون المال مملوكاً للغير وأن يكون المال له قيمة معتبرة .
وأما العنصر الثالث من الركن المادي فهي علاقة السببية ،والمراد بها: ترتب النتيجة "الاستيلاء" على النشاط الإجرامي المتمثل بالاحتيال ،بحيث يرجع الاستيلاء على هذا النشاط الإجرامي، ولولا وجوده لما حدث هذا الاستيلاء ،ولم يحصل سلبٌ لمال المجني عليه ،أو بعضه .
الفصل الثاني: الركن المعنوي :
ويقصد بالركن المعنوي هو: توفر القصد الجنائي , حيث إن جريمة النصب جريمة عمدية، تتطلب توفر القصد الجنائي المتمثل بالإرادة والعلم.
فتتجه إرادة الجاني إلى ممارسة السلوك الإجرامي بقصد تحقيقه النتيجة، وهي سلب مال الغير، أو بعضه، كما يجب أن يكون الجاني على علم ودراية بأنه يرتكب أمراً من شأنه التدليس، والتمويه، والمخادعة لاستيلاء مال الغير .
ويتلخص مما سبق أن أركان جريمة النصب والاحتيال هي ما يلي:
وقوع فعل مادي يتمثل في فعل الاحتيال بإحدى الطرق المذكورة.
حصول نتيجة من ممارسة هذا الاحتيال وهي الاستيلاء على نقود أو سندات أو متاع منقول .
قيام رابطة السببية بين الفعل المادي وهو الاحتيال والنتيجة وهي الاستيلاء على مال الغير .
توافر القصد الجنائي .
الباب الرابع: خصائص جريمة النصب والاحتيال، و علاقة النصب بالاحتيال:
الفصل الأول: خصائص جريمة النصب والاحتيال:
تمتاز جريمة النصب والاحتيال عن غيرها من الجرائم بعده خصائص منها :
1- الاعتداء على الملكية .
2- تمثيل سلوك معقد من قبل الجاني.
3- تعدد الأحداث، وتسليم المجني عليه المال للجاني طواعية .
4- التركيب في الجريمة، ففيها فعل، ونتيجة ،وعلاقة سببية.
5- فيها الاعتداء على حرية المجني عليه، بتأثير ألوان الاحتيال عليه،والتي يلجأ إليها الجاني.
الفصل الثاني: علاقة النصب بالاحتيال:
بين النصب والاحتيال علاقة تناسب وهي :أن الاحتيال وسيلة لمزاولة النصب ، وهو الاستيلاء على مال الغير، فلا يستطيع أن ينصب الشخص على أحد دون الاحتيال عليه.
الباب الخامس: موقف الفقه الإسلامي من جريمة النصب والاحتيال، والمختص بنظرها:
مما لا شك فيه أن الشريعة الإسلامية جاءت بالمحافظة على الضرورات الخمس والتي هي: الدين، والنفس، والعقل، والمال، والعرض أوالنسل .
ولا شك أن جريمة النصب، والاحتيال من أعظم الاعتداء على المال المحترم، ولقد حرمت الشريعة الإسلامية الاستيلاء على أموال الآخرين بكل طريقة، وبكل حيلة، ولقد ذم النبي صلى الله عليه وسلم الذين يستحلون أموال الناس، ويستولون عليها بأي حيلة، وذكر أن ذلك من فعل اليهود .
حيث جاء عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ترتكبوا ما ارتكب اليهود، فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل)- أي بأقلها - ولا شك أن انتهاك المال المحترم هو من محارم الله الممنوع فعله .
قال ابن بطة : حدث موسى بن سعد الدنداني : أن أبا عبد الله قال: لا يجوز شي من الحيل.
وإذا صاحب جريمة الاستيلاء على أموال الناس كذب، وزور، ونفاق، وتزين للمرء بمـا
لم يعط، وخلف وعد، ونقض عهد ،وفجور في الأيمان، وحنث فيه، فقد اشتملت جريمة النصب على كبائر ،وموبقات لا حصر لها، فكفى بصاحبها إثماً أن يعصي الله من أنواع شتى، وأبواب من الذنوب متفرقة .
وما ذكر من هذه الذنوب التي اشتملت عليها جريمة النصب، والاحتيال هي معلوم تحريمها من الدين بالضرورة ،فهي لا تخفى على من يعرف أصول دين الإسلام وفقهه.
الفصل الأول: حكم الحيل في الفقه الإسلامي :
تنقسم الحيل باعتبار مشروعيتها إلى حيل مشروعة ،وحيل محرمة .
المبحث الأول: الحيل المشروعة :
وهي الحيل التي تتخذ للتخلص من المآثم للتوصل إلى الحلال , أو إلى الحقوق , أو إلى دفع باطل , وهي الحيل التي لا تهدم أصلا مشروعا ولا تناقض مصلحة شرعية . وهي ثلاثة أنواع موزرعة على الفروع التالية :
الفرع الأول: - أن تكون الحيلة محرمة ويقصد بها الوصول إلى المشروع , مثل أن يكون له على رجل حق فيجحده ولا بينة له , فيقيم صاحب الحق شاهدي زور يشهدان به ولا يعلمان ثبوت هذا الحق . ومتخذ هذا القسم من الحيل يأثم على الوسيلة دون القصد . ويجيز هذا من يجيز مسألة الظفر بالحق , فيجوز في بعض الصور دون بعض .
الفرع الثاني - أن تكون الحيلة مشروعة وتفضي إلى مشروع . ومثالها الأسباب التي نصبها الشارع مفضية إلى مسبباتها , كالبيع , والإجارة وأنواع العقود الأخرى , ويدخل فيه التحيل على جلب المنافع ودفع المضار .
الفرع الثالث- أن تكون الحيلة لم توضع وسيلة إلى المشروع فيتخذها المتحيل وسيلة إلى ذلك , ومثاله المعاريض الجائزة في الكلام .
ومن الحيل المشروعة ما لا خلاف في جوازه ومنها ما هو محل تردد وإشكال وموضع خلاف .
المبحث الثاني: الحيل المحرمة :
وهي الحيل التي تتخذ للتوصل بها إلى محرم , أو إلى إبطال الحقوق , أو لتمويه الباطل أو إدخال الشبه فيه . وهي الحيل التي تهدم أصلا شرعيا أو تناقض مصلحة شرعية . والحيل المحرمة منها ما لا خلاف في تحريمه ومنها ما هو محل تردد وخلاف . والحيل المحرمة ثلاثة أنواع موزعة على الفروع التالية:
الفرع الأول - أن تكون الحيلة محرمة ويقصد بها محرم : ومثاله من طلق زوجته ثلاثا وأراد التخلص من عار التحليل , فإنه يحال لذلك بالقدح في صحة النكاح بفسق الولي , أو الشهود فلا يصح الطلاق في النكاح الفاسد .
الفرع الثاني - أن تكون الحيلة مباحة في نفسها ويقصد بها محرم . كما يسافر لقطع الطريق , أو قتل النفس المعصومة .
الفرع الثالث - أن تكون الحيلة لم توضع وسيلة إلى المحرم بل إلى المشروع , فيتخذها المحتال وسيلة إلى المحرم . كمن يريد أن يوصي لوارثه , فيحتال لذلك بأن يقر له , فيتخذ الإقرار وسيلة للوصية للوارث .
الفصل الثاني: المحكمة المختصة في جرائم النصب والاحتيال :
تختلف جريمة النصب والاحتيال ،عن جريمة التدليس المدني ،كما أنها تختلف عن جريمة السرقة ،وجريمة خيانة الأمانة .
وإن كانت جريمة النصب والتدليس المدني يشتركان في أثرهما على نفسية المجني عليه وهو إيقاعه في الغلاط على أن الاثنين يختلفان فغي التدليس المدني لا يتوقف على قدر معين من الطرق الاحتيالية وإنما يكفي مجرد الكذب بخلاف جريمة النصب إذ لا تقوم بمجرد الكذب بل لابد من توافر نوع من الطرق الاحتيالية.
ولمّا كان الحديث عن المحكمة المختصة بنظر هذه الجريمة أعني جريمة النصب والاحتيال، فلا يحسن التمييز إلا بين جريمة النصب والاحتيال الجنائية، وقضايا التدليس المدنية .
فأقول : إن كلا القضيتين تؤديان إلى حصول الضرر بالطرف الآخر فيهما، والمتمثل بالاستيلاء على ماله أو جزء منه بدون مقابل ، لكن تتميز جريمة النصب والاحتيال بسلوك الجاني فيها إلى وسائل غير مشروعة، كالكذب، والتزوير ،والسرقة المبطنة، وعدم وجود الأشياء التي اعتمد على التعاقد فيها كالسيارات، والمباني ،والعقارات ،والمساهمات ونحوها.
أما التدليس أو التعزير فتوجد هذه الأشياء لكن ليست على الصفة التي ذكرها المدلس، إنما قريبة أو بعيدة بعض الشيء عنها .
فإذا كانت المواقعة جريمة نصب واحتيال فالمحكمة المختصة بنظرها هي المحاكم الجزائية، وتطبق على المرافعة فيها نظام الإجراءات الجزائية ويشمل ذلك الإجراءات الجزائية بدءاً من القبض، والتحقيق ومعاينة الأشياء، والتفتيش، واستخدام القوة والقسوة إذا لزم الأمر، والتوقيف الاحتياطي ،وسلب حرية المتهم ، ولا يمنع من نظر الجرائم المصاحبة لها لدى جهات الاختصاص الأخرى كنظر ديوان المظالم للتزوير أو الاختلاس .
أما قضايا التدليس والتغرير فهي دعاوى مدينة تنظرها المحاكم المدنية ويطبق فيها نظام المرافعات الشريعة ولا يجوز أن يمس فيها من حرية المتهم، كالاستجواب، والقبض ،والتفتيش ،وتخضع للمرافعة المدنية المتمثلة بالدعوى، والإجابة، وتقييم الأدلة من قبل القاضي ،وإذا ادعى أحد منهما تزويراً، أو اختلاساً فتعاد للتحقيق من قبل الجهات المختصة، ويفرد لذلك دعوى جنائية مستقلة .
الباب السابع:الآثار السلبية الناجمة من جرائم النصب والاحتيال وطريقة معالجتها،
الفصل الأول:الآثار السلبية الناجمة من جرائم النصب والاحتيال :
لجريمة النصب والاحتيال آثار سلبية كبيرة على الأفراد، والمجتمعات، وأثرها على الأفراد ظاهر، وذلك بالاستيلاء على أموالهم، ومدخراتهم ،ومقدراتهم، وأما آثارها على المجتمع فمن خلال عدة جوانب وهي كالتالي :
المبحث الأول: الآثار السلبية على الجانب الاجتماعي :
تؤدي جرائم النصب والاحتيال إلى تبديل معايير المجتمع الاجتماعية، ليكون معيار المجتمع، وشعاره المداهنة ،والنفاق الاجتماعي، والتدليس، وتشويه طموح الشباب الطامح للرقي من خلال الدراسة النظامية الجامعية، ليتبوأ أعلى المراتب، والوظائف، ليبحث الشاب عن طموحه من خلال الكسب السريع، ومضاعفة الأرصدة من خلال هذه الأعمال المشينة --أقصد جرائم النصب ، والاحتيال- ،لأنه يرى أن أصحاب هذه الجريمة حققوا نجاحات مالية ،وأرصدة عالية بهذه الأعمال، مع تخلفهم الدراسي، دون إدراك لانحطاطهم الأخلاقي
المبحث الثاني:الآثار السلبية على الجانب التنظيمي :
ينتج عن جريمة النصب والاحتيال عدة آثار سلبية على الجانب التنظيمي منها :
1- فقدان ثقة المواطن بالأنظمة الرسمية، وفاعليتها في تحقيق الأهداف العظيمة التي أنشئت من أجلها.
2- فقدان ثقة المواطن في تصريحات المسؤولين.
3- ضعف، وتلاشي الأمل في إصلاح المجتمع.
4- إهدار القوانين واللوائح ،وعدم الالتزام بها، لثبوت عدم جدواها في محاربة النصابين والمحتالين .
5- ضعف ،واختفاء الأجهزة الرقابية، والوسيطة بين المجتمع والحكومة، وعدم دفاعها عن حقوق المسلوبين.
المبحث الثالث:الآثار السلبية على الجانب الاقتصادي :
تؤدي جريمة النصب والاحتيال إلي إزهاق للجانب الاقتصادي من خلال ما يلي :
1- انخفاض قيمة العملة الوطنية.
2- انتشار البطالة، والفقر .
3- جذب الاستثمارات الأجنبية، لعدم الثقة بالاستثمارات الداخلية.
4- عرقلة النمو الاقتصادي، من خلال الاستيلاء على السيولة النقدية .
5- عدم استقرار المناخ الاقتصادي للدولة ،وكثرة تكاليف الضمان ،والتأمين فيها .
6- تشويه التعامل التجاري في العلاقات الاقتصادية.
7- تحجيم النشاط التجاري ،ووضع القيود المعقدة عليه، حتى على الأسوياء.
الفصل الثاني: معالجة جريمة النصب والاحتيال:
نظراً لكون جريمة النصب، والاحتيال منتشرة في المجتمع ،وتسعي لتقويض بنيانه، وهدم أخلاقياته، ولكون الآثار السلبية الناجمة منها كثيرة، سواء على الجانب الاجتماعي، أو النظام الاقتصادي، فقد هبّ الغيورون على هذا المجتمع في السعي لمعالجة هذه الجريمة، والحد من انتشارها، ومن الأساليب العلاجية لهذه الجريمة ما يلي:
1- سنُّ نظامٍ مختص بهذه الجريمة، أسوة بنظام الرشوة، والتزوير، والاختلاس، يحدد نوعية الجرائم ،وعقوباتها، وبيان الجهة المختصة بنظر كل نوع فيها .
2- توعية المجتمع بكل شرائحه بخطر هذه الجرائم، وما يستجد من أساليب جديدة لها،من خلال وسائل الإعلام المتنوعة ، وشهر أسماء المتورطين في جرائمها ،زجرا لهم ،وردعا لأمثالهم .
3- إيجاد جهة رقابية مأمونة ،تشرف على المشاريع الاقتصادية للمؤسسات، والأفراد تصادق على المشاريع ،وتنفي المزيف منها، وتتأكد من مصداقية أصحابها.
4- ربط مشاريع الأفراد، والمؤسسات بالضمانات البنكية ،والتوثيقات المعتمد
5- نشر الوعي الديني، وتنمية الوازع الرقابي عند الأفراد بزرع الخوف من الله، وحرمة مال المسلم، وعدم الاستيلاء عليه إلا برضي صاحبه.
6- تناول مناهج الدراسة لهذا الموضوع ،وأشباهه تحذيرا، وتنذيرا ، وتربية على الأخلاق الفاضلة، واحترام حقوق الآخرين، وأموالهم .
7- تشديد العقوبات الجزائية على المحتالين ،والنصابين وفضح أساليبهم ،وطرقهم الماكرة ،ومنعهم مزاولة أي عمل تجاري في المستقبل.
8- تحويل ما بأيدي المحتالين ومجمعي الأموال من مبالغ لجهة موثوقة تعيد الأموال لأصحابها بالعدل ،والإنصاف حسب الحصص.
9- إنشاء وحدات رقابية على المشاريع، والمؤسسات التابعة للأفراد ،والمجتمعات تراقب الأعمال، والأنشطة التجارية، وتحاسب الانحراف الأخلاقي فيها،وتسعي لتعديله، وتقويمه.
تطبيقات قضائية ، وفيه تطبيقان:
التطبيق القضائي الأول:
القرار الشرعي الصادر من المحكمة الجزئية في أبها برقم 9/2/ض/143/2 في 9/1/1428هـ المتضمن دعوى المدعي العام ضد المدعى عليه(س، ص) بقيامه بالنصب والاحتيال على المرأة(هـ، ن) والاستيلاء على ما بأيديها من أموال، ومجوهرات تخصها ،وتخص أسرتها تقدر بمبلغ مائتين وثمانين ألف ريال بعد التعرف عليها، وربط الصداقة معها، والخلوة المحرمة ،والسفر بها خارج المنطقة ،وإغرائها بالزواج بها ،وتخبيبها على زوجها ،وقد أعطاها خادمة أندونيسية تخدمها، مخادعة منه لها في حرصه عليها، ومحبته لها، وقد غرر بها لتتقدم لإحدى الشركات المصرفية للاستثمار، واقترضت منها خمس سيارات هايلكس، وقام بالتعريف عليها موهما الشركة بأنه خال لها، والمصادقة على الأوراق بذلك، وقام ببيع السيارات المذكورة في معارض خميس مشيط للسيارات، واستلمت المرأة القيمة، وأودعتها البنك، ثم ذهب بها إلى جدة ،وسحبت له المبالغ من فرع البنك في المخواة، وكان مجموع المبالغ التي استولى عليها منها ستمائة وستين ألف ريال، إضافة إلى اتفاقه معها على أن يحضر صك طلاقها من محكمة الطائف مقابل ثلاثمائة ألف ريال، وبعد مكثه معها في جدة اختلف معها، وذهب وتركها، ويطلب المدعي العام معاقبته تعزيرا على قيامه بالنصب، والاحتيال على المرأة المذكورة، والاستيلاء على أموالها، وأموال أسرتها، مع التنويه ببقاء الحق الخاص، وقد أنكر المدعى عليه جميع ما ورد في هذه الدعوى، وجرى سؤاله عن إقراره المصدق شرعا المتضمن: قيامه بما نسبه إليه المدعي العام ، فقال: إن إقراري المذكور كان بالإجبار من أخي الذي يحاول إخراجي من هذه القضية، واكتفى المدعي العام بهذا الإقرار بيّنةً منه على صحة ما نسبه إليه، وبتأمل ناظر القضية لأوراق المعاملة، وإقرار المدعى عليه المصدق شرعا المتضمن مصادقته على ممارسة النصب، والاحتيال على المرأة المذكورة، والاستيلاء على أموالها، وأموال أسرتها، والذي رجع عنه، مما يدل على تأصل الشر في نفسه، وبما أن هذا العمل محرم شرعا، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) فقد تم الحكم عليه تعزيرا بما يلي:
أولا- سجنه لمدة سنة وثمانية أشهر بداية من تاريخ إيقافه.
ثانيا- جلده مائتين وخمسين جلدة مفرقة على خمس دفعات، كل دفعة خمسون جلدة .
ثالثا- أخذ التعهد عليه بعدم العودة لمثل ما بدر منه، والاستقامة، والابتعاد عن الأمور المشينة.
وقد قنع بذلك المدعى عليه، ولم يقنع المدعي العام، وطلب رفعه لمحكمة التمييز المختصة لتدقيقه بدون لائحة اعتراضية، ثم صُدِّق الحكم من الدائرة الجزائية الثالثة بمحكمة التمييز بمكة المكرمة بموجب قرارها رقم 329/3/1/ج بتاريخ 25/3/1428هـ أ.هـ
ففي هذه القضية قام المدعى عليه بالنصب، والاحتيال على المرأة ،من خلال وعدها بالزواج منها، وخدمتها، والنصح لها، واغترت به ،وسلمته أموالها، وأموال أسرتها البالغة أكثر من 660000 ريال، ثم اختلف معها، وذهب وتركها ، وبالقبض عليه، والتحقيق معه أحيل للمحكمة الجزئية لتأديبه، كون فعله لا يعد من التدليس المدني، بل من الفعل الجنائي الذي يستحق به التأديب ،والتعزير، وقد حكم عيه بالحكم المذكور المصدق من الجهات القضائية العليا، وفي نظري أن الحكم لا يتناسب وفعل المدعى عليه، حيث انضم مع جريمة النصب، والاحتيال جرائم لا تقل خبثا عنها، من التخبيب، والاختلاء المحرم ،والسفر ، ولكن نظراً لرجوع المدعى عليه عن إقراره، وعدم وجود بينة أخرى للمدعي العام جعل الحكم أخف من الحكم المفترض.
التطبيق القضائي الثاني:
في يوم الأحد الموافق 26/4/1428هـ نظرت المحكمة الجزئية ببريدة دعوى المدعي العام في فرع هيئة التحقيق والإدعاء العام بالقصيم ضد المدعى عليه (ع، م) بقيامه بالنصب ،والاحتيال على مجموعة من الأشخاص في موسم الحج الماضي لعام 1427هـ وذلك بإعلانه عن قيامه بحملة لنقل الحجاج من القصيم وشقراء إلى مكة المكرمة، والمبيت بمخيمات المشاعر المقدسة، وتوفير الوجبات، واستلم من كل حاج مبالغ متفاوتة تصل إلى ألفين ومائتي ريال، وبعد نقلهم، وإيصالهم لمكة المكرمة تبين للحجاج عدم وجود مخيمات مجهزة ،وبحث لهم عن شقق سكنية فرفضوا، وطالبوا باستعادة ما دفعوه له، وبالتحقيق معه توجه له الاتهام بقيامه بالنصب والاحتيال على الحجاج، وإيهامهم بوجود حملة لنقل الحجاج، وتقديم الخدمات لهم ،وقيامه بالختم، والتوقيع تزويرا على مستندات تخص إحدى الحملات المعتمدة، والتي لم يتبين وجود علاقة له معها، ويطلب المدعي العام تأديبه، وتعزيره على ممارسة النصب والاحتيال، مع بقاء الحقوق الخاصة،علما أن عليه سابقة مسجلة في سوابقه مماثلة لهذه الجريمة ،وهي قيامه بالنصب ،والاحتيال، والإيهام بوجود حملة حج وهي غيرموجودة في موسم سابق!!
وبسؤال فضيلة ناظر القضية له ،أجاب بقوله: إن ما ذكره المدعي العام من قيامي بجمع مبالغ من عدة أشخاص بغرض نقلهم لمكة المكرمة، وقضاء المناسك بالمبالغ المذكورة فصحيح ،ولكن لم أنصب عليهم ،وأحتال للاستيلاء على أموالهم ، حيث اتصل بي أحد الأشخاص عن طريق الحملة المعتمدة المذكورة، وأخبرني بوجود مقاعد شاغرة ،وطلب مني البحث عن من يشغلها ، فقمت بالإعلان عن ذلك باسمي، ولما أوصلت الحجاج لمكة المكرمة اتصلت بصاحبي فأخبرني بعدم وجود مقاعد شاغرة ،وأغلق الاتصال ،وأقفل الهاتف المحمول، فقمت بالبحث عن شقق سكنية بدلا من المخيمات، فرفض الحجاج، هذا ما لدي ، فبعد الدعوى، والإجابة، ونظرا لقيام المدعى عليه بالإعلان عن حملة الحج باسمه مع عدم وجود مستند رسمي يخوله ذلك ،وقيامه بالتوقيع ،والتزوير على محررات ومستندات لا تخصه، بل تخص حملة معتمدة، يدل على محاولته التمويه ،والاحتيال على الحجاج، إضافة إلى ممارسته لهذا الجرم، حيث يوجد جريمة سابقة مماثلة لهذه الجريمة مسجلة عليه، مما يدل على امتهانه للنصب والاحتيال على الحجاج، وما دفع به لا يكفي لنفي التهمة عنه، وتبرئته، لاسيما مع عدم ثبوت ذلك، إذ كيف يخاطر المدعى عليه بمشروع يخص شعيرة عظيمة –كالحج-و يمس الحجاج بناء على اتصال من شخص لمجرد المعرفة فقط؟؟ لذلك فقد حُكِمَ على المدعى عليه بثبوت إدانته بما نسب إليه بالقرار الشرعي رقم 256/4في 8/5/1428هـ وأيدته محكمة التمييز بقرار الدائرة الجزائي الثانية رقم 725/ج 2/أ في 6/9/1428هـ المتضمن التعزير بالسجن لمدة ثلاثة أشهر، وبجلده تسعين جلدة مفرقة على دفعتين متساويتين بينهما مدة لا تقل عن عشرة أيام،وبتغريمه مبلغ خمسة الآف ريال تودع في بيت المال وبأخذ التعهد عليه بعدم العودة لمثل ما بدر منه، مع بقاء الحق الخاص لحين مطالبة أصحابه به.أ.هـ
وبتأمل ذلك وجد أن المدعى عليه قام بممارسة النصب ،والاحتيال للاستيلاء على أموال الحجاج ،إضافة إلى التزوير بالتوقيع على المستندات التي تخص مؤسسة معتمدة لا تربطه بها أي علاقة ،مع وجود جريمة مماثلة مسجلة في سجل سوابقه ،وما دفع به من قيام شخص يعرفه بالاتصال عليه، وإخباره بمقاعد شاغرة لهذه الحملة لا يكفي لتبرئته، والحكم بحسن نيته، وما حكم به عليه تعزيرا يستحقه ، بل يستحق الزيادة عليه سجنا، إضافة إلى التشهير به في الصحف المنتشرة في تلك المنطقة، ولكن نظرا لما أبده من أسباب -وإن كانت غير مقنعة- إلا إنها تسهم في تخفيف العقوبة عليه لتكون كما حكم عليه به.
* الخاتمة ، وفيها أبرز النتائج:
وبعد الانتهاء من هذا الجهد المتواضع ، ظهر لي بعض النتائج أجملها فيما يلي:
أولا- يطلق المعاصرون النصب على الكذب، والخداع بينما لا يوجد هذا اللفظ عند علماء اللغة، لكنهم يطلقون النصب على قريب من ذلك، فيطلقونها على نصب الفخ في الصيد ،وعلى الكلام الملحون، وعلى الألم، والعداوة ،وكلها لها ارتباط بالنصب، وآثاره.
ثانيا- يطلق الاحتيال في اللغة على الدهاء ،والحذق، والمراوغة، وقلب الحقائق، والأمور والقدرة على التصرف، وكل ذلك من أساليب أهل النصب والاحتيال.
ثالثا- أما النصب ،والاحتيال عند أهل القانون، فهو الاستيلاء على شي مملوك، بطريقة احتيالية، بقصد تملك ذلك الشيء، أو الاستيلاء على مال الغير بطريق الحيلة.
رابعا- جريمة النصب ،والاحتيال جريمة مركبة من خطوات عدة ، تبدأ بتحديد الفريسة، ثم كسب ثقته ،ثم اللعب بأمانيه ،ثم أخذ ماله، وتركه.
خامسا- النصاب، والمحتال يتصف بصفات، ومميزات تؤهله لممارسة جريمته ،منها: النفاق والدهاء ،والحذق، والمكر، وحب المظاهر، واللحن في القول.
سادسا- لجريمة النصب ركن مادي، وركن معنوي، ويتركب الركن المادي من ثلاثة عناصر هي :الفعل (النشاط) ،والهدف(الاستيلاء)، وعلاقة السببية، بينما ينطوي الركن المعنوي على القصد الجنائي. ولكلٍ منها تفصيل وتبيان.
سابعا- لجريمة النصب، والاحتيال خصائص تميزها عن بقية الجرائم، منها: التركيب من عدة أفعال، والمخادعة ، وتوجهها على أموال الآخرين مع وجودهم، وتفاعلهم!!
ثامنا- بين النصب، والاحتيال علاقة وطيدة، فالاحتيال طريق للنصب، ووسيلة إليه، فلا يوجد نصب إلا ويسبقه احتيال.
تاسعا- للشريعة الإسلامية موقف واضح من النصب، والاحتيال، فتحرّم النصب ،والمخادعة، أما الاحتيال فبحسب نتيجته، فإن كان لا يُضيّع حقا، ولا يقر باطلا جاز ،وإلا فالتحريم مصيره ،وحكمه.
عاشرا- تختص المحاكم الجنائية المتمثلة بالمحاكم الجزئية بنظر قضايا النصب، والاحتيال بصفتها جريمة منصوصا عليها بالتحريم، والتجريم ،ولما تنطوي عليه من جرائم منصوص عليها أيضا ،كالكذب والتزوير، والسرقة، والرشوة، ونحوها ، وهناك قضايا مشابهة تنظر لدى المحاكم المدنية وهي قضايا التدليس المدني.
حادي عشر- لجرائم النصب، والاحتيال آثار سلبية على الجوانب التنظيمية، والاجتماعية ،والاقتصادية، تتمثل بفشو الخلق السافل ،والبطالة، وتبديد الهمم السوية ، (http://www.tunisia-cafe.com/vb)وفساد الأنظمة ،وفشلها، واليأس من الإصلاح، ونحو ذلك.
وغير ذلك من النتائج التي توصلت إليها في هذا الجهد المتواضع -سائلا المولى الكريم التوفيق، والقبول، ومتبرئا من الحول، والقوة إلا به، ومعتذرا عما بدر من خلل، وتقصير- وصلى الله ،وسلم على نبينا محمد، وعلى آله ،وصحبه أجمعين...
عبد العزيز بن عبد الرحمن الشبرمي
المقــدّمة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ، ونستغفره ، ونتوب إليه ،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا ، من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداٌ عبده، ورسوله ،صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه ، وسلم تسليماُ كثيراً، أما بعد :
فقد تبوأت جرائم النصب والاحتيال موقعاً متقدماً في مصاف الجرائم الخطيرة، والتي يعاني منها المجتمع الآمن على نفسه، وماله، ومقدراته ، وتنوعت وسائل هذا النوع من الجرائم، ولكنها مع اختلافها ،إلا إنها تتفق وغيرها في التمويه ،والخداع ،والتغرير، الأمر الذي جعل هذا الجرم ينخر في المجتمع ،في نواحيه الاقتصادية، والتنظيمية،والاجتماعية ،ويطال الفرد والمؤسسة ،والمجتمع بكليته .
ولا شك أن الازدياد المطّرد ،والملحوظ في أعمال جريمة النصب ،والاحتيال يسببه استمرار الضحايا الكثيرين بالتحلي بالبساطة ،والسذاجة المترتبة على الخلل الكبير في القيم الثقافية، والتربوية، يسنده وجود نفوس شريرة لا يهنأ لها مقام، وهي ترى المال بأيدي هؤلاء البسطاء ،ولو كان من عرق جبينهم ، وكدح أيديهم .
وما هذا البحث المتواضع ،إلا محاولة في تناول هذه الجريمة، وتناول مفهومها ، وأركانها والمحكمة المختصة في نظرها، والحكم بها ، ومحاولة لإبراز علاج ناجع لها.
وقد قسمت هذا البحث إلى مقدمة وستة أبواب فيها فصول ومباحث على النحو التالي:
الباب الأول:مفهوم النصب والاحتيال، وتحته فصلان:
الفصل الأول: مفهوم النصب وتحته مبحثان:
المبحث الأول: مفهوم النصب في اللغة.
المبحث الثاني:مفهوم النصب عند أهل القانون.
الفصل الثاني: مفهوم الاحتيال وتحته ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: مفهوم الاحتيال في اللغة.
المبحث الثاني: مفهوم الاحتيال عند أهل القانون.
المبحث الثالث:الحيلة في اصطلاح الفقهاء.
الباب الثاني: خطوات الجريمة وصفات المجرمين، وتحته فصلان:
الفصل الأول: الخطوات الرئيسية للنصب التي يسلكها المحتال للاستيلاء على مال الغير.
الفصل الثاني: بعض الصفات التي يحملها الشخص الممارس لجريمة النصب والاحتيال.
الباب الثالث: أركان جريمة النصب والاحتيال، وتحته فصلان:
الفصل الأول: الركن المادي
الفصل الثاني: الركن المعنوي
الباب الرابع: خصائص جريمة النصب والاحتيال، و علاقة النصب بالاحتيال: وتحته فصلان:
الفصل الأول: خصائص جريمة النصب والاحتيال
الفصل الثاني:علاقة النصب بالاحتيال
الباب الخامس:موقف الفقه الإسلامي من النصب والاحتيال، والمختص بنظرها،وتحته فصلان:
الفصل الأول:حكم الحيل في الفقه الإسلامي وتحته مبحثان:
المبحث الأول:الحيل المشروعة وتحته ثلاثة فروع:
الفرع الأول - أن تكون الحيلة محرمة ويقصد بها الوصول إلى المشروع
الفرع الثاني - أن تكون الحيلة مشروعة وتفضي إلى مشروع
الفرع الثالث - أن تكون الحيلة لم توضع وسيلة إلى المشروع فيتخذها المحتال وسيلة إلى ذلك.
المبحث الثاني: الحيل المحرمة وتحته ثلاثة فروع:
الفرع الأول- أن تكون الحيلة محرمة ويقصد بها محرم
الفرع الثاني - أن تكون الحيلة مباحة في نفسها ويقصد بها محرم
الفرع الثالث- أن تكون الحيلة لم توضع وسيلة إلى المحرم بل إلى المشروع , فيتخذها المحتال وسيلة إلى المحرم.
الفصل الثاني: المحكمة المختصة في جرائم النصب والاحتيال
الباب السابع:الآثار السلبية الناجمة من جرائم النصب والاحتيال وطريقة معالجتها، وتحته فصلان:
الفصل الأول: الآثار السلبية الناجمة من جرائم النصب والاحتيال وتحته ثلاثة مباحث:
المبحث الأول:الآثار السلبية على الجانب الاجتماعي .
المبحث الثاني:الآثار السلبية على الجانب التنظيمي .
المبحث الثالث:الآثار السلبية على الجانب الاقتصادي.
الفصل الثاني: معالجة جريمة النص والاحتيال.
تطبيقات قضائية.وتحته تطبيقان.
الخاتمة وأهم النتائج.
وإني-قبل ذلك وأثناءه وبعده-لأحمد الله على توفيقه، وتسديده ، وصلى الله ،وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين .
الباب الأول : مفهوم النصب والاحتيال:
الفصل الأول:مفهوم النصب:
المبحث الأول: النصب في اللغة:
أطلق المعاصرون لفظة "النصب"ويريدون بها الكذب، والخداع ،والاحتيال سواء اقترن ذلك ِبجُرْم أخْذ المال ،أم لا ، وقد حاولتُ البحث عن أصل كلمة النصب، فلم أجدها تطلق عند العرب على الكذب، ولكن العرب يطلقونها على قريب من المخادعة، والحيلة، ومن ذلك : وضع الشيء ورفعه وإقامته ويوضح هذا الشيء بأنه: حبل الصيد فقد جاء في أساس البلاغة :نصب حبالته وحبائله. وحبل الصيد، واحتبله: أخذه.فكأنَّ الصائد يحتال على صيده، وينصب له الفخ ليقع فيه، فالمحتال على أموال الغير ينصب فخه بالمظاهر المزيفة ،والألفاظ العذبة الخادعة، ليقع في شراكه البسطاء ،والسذّج، وربما الأشخاص العاديون، ومن إطلاقات العرب للنصب : اللحن بالقول، والكلام الملحون المنمق ، جاء في لسان العرب:ًوهو-أي النصب- ضَرْبٌ من أَغانيّ العَرب شَبيهُ الحُداءِ وقيل :هو الذي أُحْكِمَ من النَّشِيد، وأُقِيمَ لَحْنُه ،ووزنُه وفي الحديث :كُلُّهم كان يَنْصِبُ أَي يُغَنِّي النَّصْبَ ،ونَصَبَ الحادي حَدا ضَرْباً من الحُداءِ فكأن المحتال يلحن القول، ويحسنه، لكي يغري الآخرين بتصديقه ،والوثوق به، ومن إطلاقاتهم للنصب : التعب والإعياء جاء في اللسان: والنَّصْبُ وَضْعُ الشيءِ، ورَفْعُه نَصَبه يَنْصِبُه نَصْباً ،ونَصَّبَه فانْتَصَبَ قال فباتَ مُنْتَصْباً وما تَكَرْدَسا ،أَراد مُنْتَصِبا ونَصَبَ له الحربَ نَصْباً وَضَعَها وناصَبَه الشَّرَّ والحربَ والعَداوةَ مُناصبةً أَظهَرَهُ له، ونَصَبه وكلُّه من الانتصابِ والنَّصِيبُ الشَّرَكُ المَنْصوب ونَصَبْتُ للقَطا شَرَكاً ويقال نَصَبَ فلانٌ لفلان نَصْباً إِذا قَصَدَ له وعاداه وتَجَرَّدَ له فكأنَّ المحتال محارب لأصحاب المال والثروة، يريد مخادعتهم، والاستيلاء على ما بأيديهم،فيصيبهم بذلك الهم ،والحزن، والألم، حيث إن النصب يطلق أيضا عند العرب على الألم والتعب والشر والبلاء.
المبحث الثاني: النصب في تعريف أهل القانون:
الاستيلاء على شي مملوك، بطريقة احتيالية بقصد تملك ذلك الشيء، أو الاستيلاء على مال الغير بطريق الحيلة نيته تملكه ،أو الاستيلاء على مال منقول مملوك للغير، بناء على الاحتيال بنية تملكه ، والشخص الذي يمارس ذلك يسمي النصاب، أو الدجال، أو المحتال.
الفصل الثاني: مفهوم الاحتيال :
المبحث الأول:مفهوم الاحتيال في اللغة:
يتناول علماء اللغة الاحتيال ويريدون به ما يتعلق بالدهاء والحذق وحسن التصرف ومن ذلك ما جاء في لسان العرب: والاحتيال والتَّحَوُّل والتَّحَيُّل كل ذلك الحِذْقُ وجَوْدَةُ النظر والقدرةُ على دِقَّة التصرُّف فالمحتال لابد أن يكون حاذقا وماهرا في استدراج المراد سلب ماله كما أنه لابد أن يتميز بدقة في النظر يتبعها حسن للتصرف في ما يرده إليه من تساؤلات المسلوبين قبل الاحتيال وأثناءه وبعده.
وقد يراد بالاحتيال المراوغة وقلب الباطل حقا كما جاء في معجم لغة الفقهاء من أن الاحتيال: الحذق في تدبير الأمور، وهو التوصل بما هو حلال إلى ما هو حرام أو التوصل بما هو مشروع لما هو غير مشروع، وهو تقليب الفكر حتى يهتدي إلى المقصود ، وأكثر استعمال الحيلة ففيما في تعاطيه خبث وقد تستعمل فيما فيه حكمة، كما يطلق الاحتيال على البصير بتقليب الأمور فالمحتال يقلب الباطل وهو الكذب والتزوير والمظاهر الزائفة إلى حق لا يقبل التكذيب فينساق الناس الطبيعيون وراء هذا الباطل الملبس بلبوس الحق.
وقد يراد به الكيد كما قال الزبيدي:المُحتالٌ هو ذو الكَيْدٍ فالمحتال عظيم الكيد لأصحاب الأموال والمقدرات لاسيما إذا كانوا على جانب من البلاهة والبساطة.فيكيد لهم كل كيد حتى يستولي على ما بأيديهم.
المبحث الثاني: مفهوم الاحتيال في الاصطلاح:
أما الحيلة في اصطلاح الفقهاء فهي أخص من معناها في اللغة ،فهي نوع من العمل الذي يتحول به فاعله من حال إلى حال، ثم غلب استعمالها عرفا في سلوك الطرق الخفية
التي يتوصل بها إلى حصول الغرض ،بحيث لا يتفطن لها إلا بنوع من الذكاء والفطنة.
المبحث الثالث: الاحتيال في القانون:
أما القانونيون فيعرفون الاحتيال بأنه:فعل ادعائي كاذب معزز بمظاهر خارجية يمارسها المحتال لكي يتم له الاستيلاء على مال الغير.
الباب الثاني خطوات الجريمة وصفات المجرمين، وتحته فصلان:
الفصل الأول: الخطوات الرئيسية للنصب التي يسلكها المحتال للاستيلاء على مال الغير.
1- تحديد موقع الشخص المراد خداعه وتقصي معلومات عنه.
2- كسب ثقة الشخص المراد خداعه من خلال الظهور بمظهر الحرص عليه، والاهتمام به.
3- إبراز الصفات الخادعة للشخص المراد خداعه ، وإخفاء الصفات السيئة، وادعاء الاستقامة، والنزاهة، والشرف، والأمانة.
4- إثارة شهية الشخص المراد خداعه في جمع مال كثير في وقت قصير .
5- إقناع الشخص المراد خداعه بالفائدة الربحية المتوقعة .
6- إعطاء الشخص المراد خداعه أرقام، وإثباتات بشكل موثوق بها حول المبلغ المستثمر
7- دغدغة أحلام الشخص المراد خداعه في الثراء المأمول، والقادم
8- الحصول على رضى الشخص المراد خداعه .
9- الابتعاد عن الشخص المراد خداعه بعد الاصطياد، والوقوع به في الفخ
10- إيقاع الشخص المراد خداعه بالمصيدة بشكل كامل، من خلال الخفة، والمهارة الفائقة (ديفيد ماورير 1974م)
الفصل الثاني: بعض الصفات التي يحملها الشخص الممارس لجريمة النصب والاحتيال.
يتميز المحتال ببعض الصفات السيئة التي تنبئ عن الشر والحقد والطمع وقلة الخوف من الله سبحانه، ويكاد يجمع المحتالون على التحلي بهذه الصفات التالية:
1- سوء الخلق .
2- قابلية التبرير العقلي للسلوك المتناقض.
3- الافتقار لقاعدة أخلاقية رصينة .
4- تقلب الرأي والمواقف مع الآخرين عند التعامل معهم.
5- عدم الثبات والاستقرار النفسي.
6- الرغبة الجامحة في كسر القانون السائد.
7- وجود خلفية إجرامية
كما أن المحتال يمتاز بعدة مميزات منها ما يلي:
1- الذكاء الحاد، والرفيع.
2- القدرة على الابتكار، والتجديد .
3- اختلاق الحيل بمختلف الأساليب .
4- الفصاحة البارعة.
5- القدرة على التلون حسب الوضع المراد .
6- الجرأة، والوقاحة.
7- استغلال الظروف، والمواقف.
8- القدرة على التمثيل.
9- الاستعراض، والمباهاة، والاهتمام بالمظهر.
10- التجوال الدائم، وعدم الاستقرار .
11- انعدام الإحساس، والضمير الحي.
12- الطموح الشديد.
13- الخوف الدائم من المستقبل .
14- الاتصاف بالأخلاق المتدنية.
الباب الثالث: أركان جريمة النصب والاحتيال:
لابد في كل جريمة من توافر ركنين اثنين، وهما الركن المادي، والركن المعنوي ،أو الركن الشرعي ،وجريمة النصب والاحتيال لا بد فيها من وجود هذين الركنين، ليتم وصف التجريم على هذه العملية، ولكي يتضح الأمر لا بد من تبيان لهذه الأركان على التفصيل:
الفصل الأول : الركن المادي
والذي يتمثل بوجود فعل مشاهد في الخارج يحس به، ويتكون هذا الركن من عناصر ثلاثة وهي :
الأول: النشاط الإيجابي "الاحتيال".
الثاني: النتيجة الإجرامية" الاستيلاء".
الثالث: علاقة السببية.
والمقصود بالنشاط الإيجابي هو: ممارسة المحتال لأساليب- لابد أن تكون محددة- لمزاولة عملية النصب والاحتيال طبقاً لقانون "لا عقوبة ولا جريمة إلا بنص" .. وهذه الأساليب هي:
أ- استعمال الطرق الاحتيالية.
ب- التصرف في مال الغير.
ج- اتخاذ اسم أو صفة كاذبة وغير صحيحة .
ومعنى استعمال الطرق الاحتيالية هو: إتيان المحتال مظاهر خارجية تدعم كذبة، وتكون الغاية من ذلك تحقيق أمور غير مشروعة.
والمظاهر الخارجية هي التي تلقي في روع المجني عليه، -والمتمثل بالشخص العادي- الطمأنينة ، والتصديق فيسلّم بما يقوله الجاني أو يطمح إليه .
ومن تلك المظاهر :
الأوراق المزورة والتي يبرزها الجاني، ليدعم بها موقفه ،ويؤكد أمام المجني عليه صدق ما يقول، وهي غير مطابقة للواقع .
ومثال ذلك : إبراز عقد وكالة ،أو شراكة مع أحد رجال الأعمال المشهورين، والمرموقين، وهي في حقيقتها وثيقة مزورة .
الاستعانة بالغير : والذي قد يكون قريباًَ من الجاني كزوجته ، أو ولده، أو غير ذلك مما يدخل الطمأنينة على المجني عليه ، ويشترط القصد الجنائي في هذا المتدخل وإلاّ فالجريمة لا تقع عليه بل تقع على المستعين به .
مباشرة بعض الأعمال الداعمة لكذب الجاني :
وذلك كقيادته سيارات فارهة، أو سكني فنادق شهيرة، أو إسراف في المصروفات، مما يغري الشخص العادي فينخدع به .
الغش التجاري: والمتمثل بتقديم سلعة متشابهة مع السلعة الحقيقية مع اختلاف كبير في القيمة ،لإدخال الوهم في نفس المجني عليه، ومن ثم التعاقد معه، وممارسة الاحتيال عليه.
استغلال الصفة : والقصد من ذلك أن يستغل الجاني صفةً ما يتمتع بها، لتدعيم كذبه ،واحتياله كاستقلال رجل مشهور بالتدين، والصلاح أو ذي سلطة، أومنصب مرموق .
ولا يكفي مجرد هذه المظاهر بل لا بد من وجود الهدف منها وهو احد هذه الأمور الآتية:
وجود مشروع كاذب : ويشمل جميع أنواع المشاريع التجارية والصناعية والمزارع والمالية
وجود واقعة مزورة : وتشمل جميع أنواع الوقائع شريطة أن تكون مجانبة للحقيقة
إحداث الأمل والفأل لحصول ربح :وذلك من خلال المقارنات والأسباب والدلائل الكاذبة والتي ينتج عنها بالطبع نتيجة كاذبة .
إحداث الأمل بتسديد وإرجاع المبلغ الذي أخذ بطريقة الاحتيال :ومثاله وعد الجاني بإعادة المبلغ المستلم من المجني عليه بصفته قرضا وتحرير كمبيالة بذلك أو شيك بدون رصيد أو قد أشهر إفلاس الجاني.
وأما الأسلوب التالي من العنصر الأول من الركن المادي وهو التصرف في مال الغير والمراد به: كون هذه الأساليب ،والأنشطة من شأنها تخويل الجاني التصرف بمال غيره من الناس بدون وجه شرعي، ونتج التصرف بسبب هذه المظاهر الخادعة، والوعود الزائفة .
والتصرف قد يكون ناقلاً للملكية كالبيع أو المقايضة أو الهبة، وقد يكون موثقاً للعين كالرهن ونحوه.
وأما الأسلوب الثالث من العنصر الأول ، الركن المادي فهو : اتخاذ اسم أو صفة مكذوبة .
والمراد بذلك تسمي الجاني باسم له قيمة معينة ،أو انتحاله لصفة معتبرة ذات قيمة ،كاسم رجل أعمال، أو رجل ذي صفة مقدرة، أو وظيفة ذات طابع اجتماعي كبير،أو ذات طابع سياسي مخوف.
أما العنصر الثاني من الركن المادي وهو حصول النتيجة الإجرامية وهي " الاستيلاء":
فلا بد من حصول هذه النتيجة، وهي استيلاء الجاني على مال الغير، أو على شيء ذي قيمة ،يملكه الغير.
ويشترط في ذلك أن يكون المال مملوكاً للغير وأن يكون المال له قيمة معتبرة .
وأما العنصر الثالث من الركن المادي فهي علاقة السببية ،والمراد بها: ترتب النتيجة "الاستيلاء" على النشاط الإجرامي المتمثل بالاحتيال ،بحيث يرجع الاستيلاء على هذا النشاط الإجرامي، ولولا وجوده لما حدث هذا الاستيلاء ،ولم يحصل سلبٌ لمال المجني عليه ،أو بعضه .
الفصل الثاني: الركن المعنوي :
ويقصد بالركن المعنوي هو: توفر القصد الجنائي , حيث إن جريمة النصب جريمة عمدية، تتطلب توفر القصد الجنائي المتمثل بالإرادة والعلم.
فتتجه إرادة الجاني إلى ممارسة السلوك الإجرامي بقصد تحقيقه النتيجة، وهي سلب مال الغير، أو بعضه، كما يجب أن يكون الجاني على علم ودراية بأنه يرتكب أمراً من شأنه التدليس، والتمويه، والمخادعة لاستيلاء مال الغير .
ويتلخص مما سبق أن أركان جريمة النصب والاحتيال هي ما يلي:
وقوع فعل مادي يتمثل في فعل الاحتيال بإحدى الطرق المذكورة.
حصول نتيجة من ممارسة هذا الاحتيال وهي الاستيلاء على نقود أو سندات أو متاع منقول .
قيام رابطة السببية بين الفعل المادي وهو الاحتيال والنتيجة وهي الاستيلاء على مال الغير .
توافر القصد الجنائي .
الباب الرابع: خصائص جريمة النصب والاحتيال، و علاقة النصب بالاحتيال:
الفصل الأول: خصائص جريمة النصب والاحتيال:
تمتاز جريمة النصب والاحتيال عن غيرها من الجرائم بعده خصائص منها :
1- الاعتداء على الملكية .
2- تمثيل سلوك معقد من قبل الجاني.
3- تعدد الأحداث، وتسليم المجني عليه المال للجاني طواعية .
4- التركيب في الجريمة، ففيها فعل، ونتيجة ،وعلاقة سببية.
5- فيها الاعتداء على حرية المجني عليه، بتأثير ألوان الاحتيال عليه،والتي يلجأ إليها الجاني.
الفصل الثاني: علاقة النصب بالاحتيال:
بين النصب والاحتيال علاقة تناسب وهي :أن الاحتيال وسيلة لمزاولة النصب ، وهو الاستيلاء على مال الغير، فلا يستطيع أن ينصب الشخص على أحد دون الاحتيال عليه.
الباب الخامس: موقف الفقه الإسلامي من جريمة النصب والاحتيال، والمختص بنظرها:
مما لا شك فيه أن الشريعة الإسلامية جاءت بالمحافظة على الضرورات الخمس والتي هي: الدين، والنفس، والعقل، والمال، والعرض أوالنسل .
ولا شك أن جريمة النصب، والاحتيال من أعظم الاعتداء على المال المحترم، ولقد حرمت الشريعة الإسلامية الاستيلاء على أموال الآخرين بكل طريقة، وبكل حيلة، ولقد ذم النبي صلى الله عليه وسلم الذين يستحلون أموال الناس، ويستولون عليها بأي حيلة، وذكر أن ذلك من فعل اليهود .
حيث جاء عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ترتكبوا ما ارتكب اليهود، فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل)- أي بأقلها - ولا شك أن انتهاك المال المحترم هو من محارم الله الممنوع فعله .
قال ابن بطة : حدث موسى بن سعد الدنداني : أن أبا عبد الله قال: لا يجوز شي من الحيل.
وإذا صاحب جريمة الاستيلاء على أموال الناس كذب، وزور، ونفاق، وتزين للمرء بمـا
لم يعط، وخلف وعد، ونقض عهد ،وفجور في الأيمان، وحنث فيه، فقد اشتملت جريمة النصب على كبائر ،وموبقات لا حصر لها، فكفى بصاحبها إثماً أن يعصي الله من أنواع شتى، وأبواب من الذنوب متفرقة .
وما ذكر من هذه الذنوب التي اشتملت عليها جريمة النصب، والاحتيال هي معلوم تحريمها من الدين بالضرورة ،فهي لا تخفى على من يعرف أصول دين الإسلام وفقهه.
الفصل الأول: حكم الحيل في الفقه الإسلامي :
تنقسم الحيل باعتبار مشروعيتها إلى حيل مشروعة ،وحيل محرمة .
المبحث الأول: الحيل المشروعة :
وهي الحيل التي تتخذ للتخلص من المآثم للتوصل إلى الحلال , أو إلى الحقوق , أو إلى دفع باطل , وهي الحيل التي لا تهدم أصلا مشروعا ولا تناقض مصلحة شرعية . وهي ثلاثة أنواع موزرعة على الفروع التالية :
الفرع الأول: - أن تكون الحيلة محرمة ويقصد بها الوصول إلى المشروع , مثل أن يكون له على رجل حق فيجحده ولا بينة له , فيقيم صاحب الحق شاهدي زور يشهدان به ولا يعلمان ثبوت هذا الحق . ومتخذ هذا القسم من الحيل يأثم على الوسيلة دون القصد . ويجيز هذا من يجيز مسألة الظفر بالحق , فيجوز في بعض الصور دون بعض .
الفرع الثاني - أن تكون الحيلة مشروعة وتفضي إلى مشروع . ومثالها الأسباب التي نصبها الشارع مفضية إلى مسبباتها , كالبيع , والإجارة وأنواع العقود الأخرى , ويدخل فيه التحيل على جلب المنافع ودفع المضار .
الفرع الثالث- أن تكون الحيلة لم توضع وسيلة إلى المشروع فيتخذها المتحيل وسيلة إلى ذلك , ومثاله المعاريض الجائزة في الكلام .
ومن الحيل المشروعة ما لا خلاف في جوازه ومنها ما هو محل تردد وإشكال وموضع خلاف .
المبحث الثاني: الحيل المحرمة :
وهي الحيل التي تتخذ للتوصل بها إلى محرم , أو إلى إبطال الحقوق , أو لتمويه الباطل أو إدخال الشبه فيه . وهي الحيل التي تهدم أصلا شرعيا أو تناقض مصلحة شرعية . والحيل المحرمة منها ما لا خلاف في تحريمه ومنها ما هو محل تردد وخلاف . والحيل المحرمة ثلاثة أنواع موزعة على الفروع التالية:
الفرع الأول - أن تكون الحيلة محرمة ويقصد بها محرم : ومثاله من طلق زوجته ثلاثا وأراد التخلص من عار التحليل , فإنه يحال لذلك بالقدح في صحة النكاح بفسق الولي , أو الشهود فلا يصح الطلاق في النكاح الفاسد .
الفرع الثاني - أن تكون الحيلة مباحة في نفسها ويقصد بها محرم . كما يسافر لقطع الطريق , أو قتل النفس المعصومة .
الفرع الثالث - أن تكون الحيلة لم توضع وسيلة إلى المحرم بل إلى المشروع , فيتخذها المحتال وسيلة إلى المحرم . كمن يريد أن يوصي لوارثه , فيحتال لذلك بأن يقر له , فيتخذ الإقرار وسيلة للوصية للوارث .
الفصل الثاني: المحكمة المختصة في جرائم النصب والاحتيال :
تختلف جريمة النصب والاحتيال ،عن جريمة التدليس المدني ،كما أنها تختلف عن جريمة السرقة ،وجريمة خيانة الأمانة .
وإن كانت جريمة النصب والتدليس المدني يشتركان في أثرهما على نفسية المجني عليه وهو إيقاعه في الغلاط على أن الاثنين يختلفان فغي التدليس المدني لا يتوقف على قدر معين من الطرق الاحتيالية وإنما يكفي مجرد الكذب بخلاف جريمة النصب إذ لا تقوم بمجرد الكذب بل لابد من توافر نوع من الطرق الاحتيالية.
ولمّا كان الحديث عن المحكمة المختصة بنظر هذه الجريمة أعني جريمة النصب والاحتيال، فلا يحسن التمييز إلا بين جريمة النصب والاحتيال الجنائية، وقضايا التدليس المدنية .
فأقول : إن كلا القضيتين تؤديان إلى حصول الضرر بالطرف الآخر فيهما، والمتمثل بالاستيلاء على ماله أو جزء منه بدون مقابل ، لكن تتميز جريمة النصب والاحتيال بسلوك الجاني فيها إلى وسائل غير مشروعة، كالكذب، والتزوير ،والسرقة المبطنة، وعدم وجود الأشياء التي اعتمد على التعاقد فيها كالسيارات، والمباني ،والعقارات ،والمساهمات ونحوها.
أما التدليس أو التعزير فتوجد هذه الأشياء لكن ليست على الصفة التي ذكرها المدلس، إنما قريبة أو بعيدة بعض الشيء عنها .
فإذا كانت المواقعة جريمة نصب واحتيال فالمحكمة المختصة بنظرها هي المحاكم الجزائية، وتطبق على المرافعة فيها نظام الإجراءات الجزائية ويشمل ذلك الإجراءات الجزائية بدءاً من القبض، والتحقيق ومعاينة الأشياء، والتفتيش، واستخدام القوة والقسوة إذا لزم الأمر، والتوقيف الاحتياطي ،وسلب حرية المتهم ، ولا يمنع من نظر الجرائم المصاحبة لها لدى جهات الاختصاص الأخرى كنظر ديوان المظالم للتزوير أو الاختلاس .
أما قضايا التدليس والتغرير فهي دعاوى مدينة تنظرها المحاكم المدنية ويطبق فيها نظام المرافعات الشريعة ولا يجوز أن يمس فيها من حرية المتهم، كالاستجواب، والقبض ،والتفتيش ،وتخضع للمرافعة المدنية المتمثلة بالدعوى، والإجابة، وتقييم الأدلة من قبل القاضي ،وإذا ادعى أحد منهما تزويراً، أو اختلاساً فتعاد للتحقيق من قبل الجهات المختصة، ويفرد لذلك دعوى جنائية مستقلة .
الباب السابع:الآثار السلبية الناجمة من جرائم النصب والاحتيال وطريقة معالجتها،
الفصل الأول:الآثار السلبية الناجمة من جرائم النصب والاحتيال :
لجريمة النصب والاحتيال آثار سلبية كبيرة على الأفراد، والمجتمعات، وأثرها على الأفراد ظاهر، وذلك بالاستيلاء على أموالهم، ومدخراتهم ،ومقدراتهم، وأما آثارها على المجتمع فمن خلال عدة جوانب وهي كالتالي :
المبحث الأول: الآثار السلبية على الجانب الاجتماعي :
تؤدي جرائم النصب والاحتيال إلى تبديل معايير المجتمع الاجتماعية، ليكون معيار المجتمع، وشعاره المداهنة ،والنفاق الاجتماعي، والتدليس، وتشويه طموح الشباب الطامح للرقي من خلال الدراسة النظامية الجامعية، ليتبوأ أعلى المراتب، والوظائف، ليبحث الشاب عن طموحه من خلال الكسب السريع، ومضاعفة الأرصدة من خلال هذه الأعمال المشينة --أقصد جرائم النصب ، والاحتيال- ،لأنه يرى أن أصحاب هذه الجريمة حققوا نجاحات مالية ،وأرصدة عالية بهذه الأعمال، مع تخلفهم الدراسي، دون إدراك لانحطاطهم الأخلاقي
المبحث الثاني:الآثار السلبية على الجانب التنظيمي :
ينتج عن جريمة النصب والاحتيال عدة آثار سلبية على الجانب التنظيمي منها :
1- فقدان ثقة المواطن بالأنظمة الرسمية، وفاعليتها في تحقيق الأهداف العظيمة التي أنشئت من أجلها.
2- فقدان ثقة المواطن في تصريحات المسؤولين.
3- ضعف، وتلاشي الأمل في إصلاح المجتمع.
4- إهدار القوانين واللوائح ،وعدم الالتزام بها، لثبوت عدم جدواها في محاربة النصابين والمحتالين .
5- ضعف ،واختفاء الأجهزة الرقابية، والوسيطة بين المجتمع والحكومة، وعدم دفاعها عن حقوق المسلوبين.
المبحث الثالث:الآثار السلبية على الجانب الاقتصادي :
تؤدي جريمة النصب والاحتيال إلي إزهاق للجانب الاقتصادي من خلال ما يلي :
1- انخفاض قيمة العملة الوطنية.
2- انتشار البطالة، والفقر .
3- جذب الاستثمارات الأجنبية، لعدم الثقة بالاستثمارات الداخلية.
4- عرقلة النمو الاقتصادي، من خلال الاستيلاء على السيولة النقدية .
5- عدم استقرار المناخ الاقتصادي للدولة ،وكثرة تكاليف الضمان ،والتأمين فيها .
6- تشويه التعامل التجاري في العلاقات الاقتصادية.
7- تحجيم النشاط التجاري ،ووضع القيود المعقدة عليه، حتى على الأسوياء.
الفصل الثاني: معالجة جريمة النصب والاحتيال:
نظراً لكون جريمة النصب، والاحتيال منتشرة في المجتمع ،وتسعي لتقويض بنيانه، وهدم أخلاقياته، ولكون الآثار السلبية الناجمة منها كثيرة، سواء على الجانب الاجتماعي، أو النظام الاقتصادي، فقد هبّ الغيورون على هذا المجتمع في السعي لمعالجة هذه الجريمة، والحد من انتشارها، ومن الأساليب العلاجية لهذه الجريمة ما يلي:
1- سنُّ نظامٍ مختص بهذه الجريمة، أسوة بنظام الرشوة، والتزوير، والاختلاس، يحدد نوعية الجرائم ،وعقوباتها، وبيان الجهة المختصة بنظر كل نوع فيها .
2- توعية المجتمع بكل شرائحه بخطر هذه الجرائم، وما يستجد من أساليب جديدة لها،من خلال وسائل الإعلام المتنوعة ، وشهر أسماء المتورطين في جرائمها ،زجرا لهم ،وردعا لأمثالهم .
3- إيجاد جهة رقابية مأمونة ،تشرف على المشاريع الاقتصادية للمؤسسات، والأفراد تصادق على المشاريع ،وتنفي المزيف منها، وتتأكد من مصداقية أصحابها.
4- ربط مشاريع الأفراد، والمؤسسات بالضمانات البنكية ،والتوثيقات المعتمد
5- نشر الوعي الديني، وتنمية الوازع الرقابي عند الأفراد بزرع الخوف من الله، وحرمة مال المسلم، وعدم الاستيلاء عليه إلا برضي صاحبه.
6- تناول مناهج الدراسة لهذا الموضوع ،وأشباهه تحذيرا، وتنذيرا ، وتربية على الأخلاق الفاضلة، واحترام حقوق الآخرين، وأموالهم .
7- تشديد العقوبات الجزائية على المحتالين ،والنصابين وفضح أساليبهم ،وطرقهم الماكرة ،ومنعهم مزاولة أي عمل تجاري في المستقبل.
8- تحويل ما بأيدي المحتالين ومجمعي الأموال من مبالغ لجهة موثوقة تعيد الأموال لأصحابها بالعدل ،والإنصاف حسب الحصص.
9- إنشاء وحدات رقابية على المشاريع، والمؤسسات التابعة للأفراد ،والمجتمعات تراقب الأعمال، والأنشطة التجارية، وتحاسب الانحراف الأخلاقي فيها،وتسعي لتعديله، وتقويمه.
تطبيقات قضائية ، وفيه تطبيقان:
التطبيق القضائي الأول:
القرار الشرعي الصادر من المحكمة الجزئية في أبها برقم 9/2/ض/143/2 في 9/1/1428هـ المتضمن دعوى المدعي العام ضد المدعى عليه(س، ص) بقيامه بالنصب والاحتيال على المرأة(هـ، ن) والاستيلاء على ما بأيديها من أموال، ومجوهرات تخصها ،وتخص أسرتها تقدر بمبلغ مائتين وثمانين ألف ريال بعد التعرف عليها، وربط الصداقة معها، والخلوة المحرمة ،والسفر بها خارج المنطقة ،وإغرائها بالزواج بها ،وتخبيبها على زوجها ،وقد أعطاها خادمة أندونيسية تخدمها، مخادعة منه لها في حرصه عليها، ومحبته لها، وقد غرر بها لتتقدم لإحدى الشركات المصرفية للاستثمار، واقترضت منها خمس سيارات هايلكس، وقام بالتعريف عليها موهما الشركة بأنه خال لها، والمصادقة على الأوراق بذلك، وقام ببيع السيارات المذكورة في معارض خميس مشيط للسيارات، واستلمت المرأة القيمة، وأودعتها البنك، ثم ذهب بها إلى جدة ،وسحبت له المبالغ من فرع البنك في المخواة، وكان مجموع المبالغ التي استولى عليها منها ستمائة وستين ألف ريال، إضافة إلى اتفاقه معها على أن يحضر صك طلاقها من محكمة الطائف مقابل ثلاثمائة ألف ريال، وبعد مكثه معها في جدة اختلف معها، وذهب وتركها، ويطلب المدعي العام معاقبته تعزيرا على قيامه بالنصب، والاحتيال على المرأة المذكورة، والاستيلاء على أموالها، وأموال أسرتها، مع التنويه ببقاء الحق الخاص، وقد أنكر المدعى عليه جميع ما ورد في هذه الدعوى، وجرى سؤاله عن إقراره المصدق شرعا المتضمن: قيامه بما نسبه إليه المدعي العام ، فقال: إن إقراري المذكور كان بالإجبار من أخي الذي يحاول إخراجي من هذه القضية، واكتفى المدعي العام بهذا الإقرار بيّنةً منه على صحة ما نسبه إليه، وبتأمل ناظر القضية لأوراق المعاملة، وإقرار المدعى عليه المصدق شرعا المتضمن مصادقته على ممارسة النصب، والاحتيال على المرأة المذكورة، والاستيلاء على أموالها، وأموال أسرتها، والذي رجع عنه، مما يدل على تأصل الشر في نفسه، وبما أن هذا العمل محرم شرعا، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) فقد تم الحكم عليه تعزيرا بما يلي:
أولا- سجنه لمدة سنة وثمانية أشهر بداية من تاريخ إيقافه.
ثانيا- جلده مائتين وخمسين جلدة مفرقة على خمس دفعات، كل دفعة خمسون جلدة .
ثالثا- أخذ التعهد عليه بعدم العودة لمثل ما بدر منه، والاستقامة، والابتعاد عن الأمور المشينة.
وقد قنع بذلك المدعى عليه، ولم يقنع المدعي العام، وطلب رفعه لمحكمة التمييز المختصة لتدقيقه بدون لائحة اعتراضية، ثم صُدِّق الحكم من الدائرة الجزائية الثالثة بمحكمة التمييز بمكة المكرمة بموجب قرارها رقم 329/3/1/ج بتاريخ 25/3/1428هـ أ.هـ
ففي هذه القضية قام المدعى عليه بالنصب، والاحتيال على المرأة ،من خلال وعدها بالزواج منها، وخدمتها، والنصح لها، واغترت به ،وسلمته أموالها، وأموال أسرتها البالغة أكثر من 660000 ريال، ثم اختلف معها، وذهب وتركها ، وبالقبض عليه، والتحقيق معه أحيل للمحكمة الجزئية لتأديبه، كون فعله لا يعد من التدليس المدني، بل من الفعل الجنائي الذي يستحق به التأديب ،والتعزير، وقد حكم عيه بالحكم المذكور المصدق من الجهات القضائية العليا، وفي نظري أن الحكم لا يتناسب وفعل المدعى عليه، حيث انضم مع جريمة النصب، والاحتيال جرائم لا تقل خبثا عنها، من التخبيب، والاختلاء المحرم ،والسفر ، ولكن نظراً لرجوع المدعى عليه عن إقراره، وعدم وجود بينة أخرى للمدعي العام جعل الحكم أخف من الحكم المفترض.
التطبيق القضائي الثاني:
في يوم الأحد الموافق 26/4/1428هـ نظرت المحكمة الجزئية ببريدة دعوى المدعي العام في فرع هيئة التحقيق والإدعاء العام بالقصيم ضد المدعى عليه (ع، م) بقيامه بالنصب ،والاحتيال على مجموعة من الأشخاص في موسم الحج الماضي لعام 1427هـ وذلك بإعلانه عن قيامه بحملة لنقل الحجاج من القصيم وشقراء إلى مكة المكرمة، والمبيت بمخيمات المشاعر المقدسة، وتوفير الوجبات، واستلم من كل حاج مبالغ متفاوتة تصل إلى ألفين ومائتي ريال، وبعد نقلهم، وإيصالهم لمكة المكرمة تبين للحجاج عدم وجود مخيمات مجهزة ،وبحث لهم عن شقق سكنية فرفضوا، وطالبوا باستعادة ما دفعوه له، وبالتحقيق معه توجه له الاتهام بقيامه بالنصب والاحتيال على الحجاج، وإيهامهم بوجود حملة لنقل الحجاج، وتقديم الخدمات لهم ،وقيامه بالختم، والتوقيع تزويرا على مستندات تخص إحدى الحملات المعتمدة، والتي لم يتبين وجود علاقة له معها، ويطلب المدعي العام تأديبه، وتعزيره على ممارسة النصب والاحتيال، مع بقاء الحقوق الخاصة،علما أن عليه سابقة مسجلة في سوابقه مماثلة لهذه الجريمة ،وهي قيامه بالنصب ،والاحتيال، والإيهام بوجود حملة حج وهي غيرموجودة في موسم سابق!!
وبسؤال فضيلة ناظر القضية له ،أجاب بقوله: إن ما ذكره المدعي العام من قيامي بجمع مبالغ من عدة أشخاص بغرض نقلهم لمكة المكرمة، وقضاء المناسك بالمبالغ المذكورة فصحيح ،ولكن لم أنصب عليهم ،وأحتال للاستيلاء على أموالهم ، حيث اتصل بي أحد الأشخاص عن طريق الحملة المعتمدة المذكورة، وأخبرني بوجود مقاعد شاغرة ،وطلب مني البحث عن من يشغلها ، فقمت بالإعلان عن ذلك باسمي، ولما أوصلت الحجاج لمكة المكرمة اتصلت بصاحبي فأخبرني بعدم وجود مقاعد شاغرة ،وأغلق الاتصال ،وأقفل الهاتف المحمول، فقمت بالبحث عن شقق سكنية بدلا من المخيمات، فرفض الحجاج، هذا ما لدي ، فبعد الدعوى، والإجابة، ونظرا لقيام المدعى عليه بالإعلان عن حملة الحج باسمه مع عدم وجود مستند رسمي يخوله ذلك ،وقيامه بالتوقيع ،والتزوير على محررات ومستندات لا تخصه، بل تخص حملة معتمدة، يدل على محاولته التمويه ،والاحتيال على الحجاج، إضافة إلى ممارسته لهذا الجرم، حيث يوجد جريمة سابقة مماثلة لهذه الجريمة مسجلة عليه، مما يدل على امتهانه للنصب والاحتيال على الحجاج، وما دفع به لا يكفي لنفي التهمة عنه، وتبرئته، لاسيما مع عدم ثبوت ذلك، إذ كيف يخاطر المدعى عليه بمشروع يخص شعيرة عظيمة –كالحج-و يمس الحجاج بناء على اتصال من شخص لمجرد المعرفة فقط؟؟ لذلك فقد حُكِمَ على المدعى عليه بثبوت إدانته بما نسب إليه بالقرار الشرعي رقم 256/4في 8/5/1428هـ وأيدته محكمة التمييز بقرار الدائرة الجزائي الثانية رقم 725/ج 2/أ في 6/9/1428هـ المتضمن التعزير بالسجن لمدة ثلاثة أشهر، وبجلده تسعين جلدة مفرقة على دفعتين متساويتين بينهما مدة لا تقل عن عشرة أيام،وبتغريمه مبلغ خمسة الآف ريال تودع في بيت المال وبأخذ التعهد عليه بعدم العودة لمثل ما بدر منه، مع بقاء الحق الخاص لحين مطالبة أصحابه به.أ.هـ
وبتأمل ذلك وجد أن المدعى عليه قام بممارسة النصب ،والاحتيال للاستيلاء على أموال الحجاج ،إضافة إلى التزوير بالتوقيع على المستندات التي تخص مؤسسة معتمدة لا تربطه بها أي علاقة ،مع وجود جريمة مماثلة مسجلة في سجل سوابقه ،وما دفع به من قيام شخص يعرفه بالاتصال عليه، وإخباره بمقاعد شاغرة لهذه الحملة لا يكفي لتبرئته، والحكم بحسن نيته، وما حكم به عليه تعزيرا يستحقه ، بل يستحق الزيادة عليه سجنا، إضافة إلى التشهير به في الصحف المنتشرة في تلك المنطقة، ولكن نظرا لما أبده من أسباب -وإن كانت غير مقنعة- إلا إنها تسهم في تخفيف العقوبة عليه لتكون كما حكم عليه به.
* الخاتمة ، وفيها أبرز النتائج:
وبعد الانتهاء من هذا الجهد المتواضع ، ظهر لي بعض النتائج أجملها فيما يلي:
أولا- يطلق المعاصرون النصب على الكذب، والخداع بينما لا يوجد هذا اللفظ عند علماء اللغة، لكنهم يطلقون النصب على قريب من ذلك، فيطلقونها على نصب الفخ في الصيد ،وعلى الكلام الملحون، وعلى الألم، والعداوة ،وكلها لها ارتباط بالنصب، وآثاره.
ثانيا- يطلق الاحتيال في اللغة على الدهاء ،والحذق، والمراوغة، وقلب الحقائق، والأمور والقدرة على التصرف، وكل ذلك من أساليب أهل النصب والاحتيال.
ثالثا- أما النصب ،والاحتيال عند أهل القانون، فهو الاستيلاء على شي مملوك، بطريقة احتيالية، بقصد تملك ذلك الشيء، أو الاستيلاء على مال الغير بطريق الحيلة.
رابعا- جريمة النصب ،والاحتيال جريمة مركبة من خطوات عدة ، تبدأ بتحديد الفريسة، ثم كسب ثقته ،ثم اللعب بأمانيه ،ثم أخذ ماله، وتركه.
خامسا- النصاب، والمحتال يتصف بصفات، ومميزات تؤهله لممارسة جريمته ،منها: النفاق والدهاء ،والحذق، والمكر، وحب المظاهر، واللحن في القول.
سادسا- لجريمة النصب ركن مادي، وركن معنوي، ويتركب الركن المادي من ثلاثة عناصر هي :الفعل (النشاط) ،والهدف(الاستيلاء)، وعلاقة السببية، بينما ينطوي الركن المعنوي على القصد الجنائي. ولكلٍ منها تفصيل وتبيان.
سابعا- لجريمة النصب، والاحتيال خصائص تميزها عن بقية الجرائم، منها: التركيب من عدة أفعال، والمخادعة ، وتوجهها على أموال الآخرين مع وجودهم، وتفاعلهم!!
ثامنا- بين النصب، والاحتيال علاقة وطيدة، فالاحتيال طريق للنصب، ووسيلة إليه، فلا يوجد نصب إلا ويسبقه احتيال.
تاسعا- للشريعة الإسلامية موقف واضح من النصب، والاحتيال، فتحرّم النصب ،والمخادعة، أما الاحتيال فبحسب نتيجته، فإن كان لا يُضيّع حقا، ولا يقر باطلا جاز ،وإلا فالتحريم مصيره ،وحكمه.
عاشرا- تختص المحاكم الجنائية المتمثلة بالمحاكم الجزئية بنظر قضايا النصب، والاحتيال بصفتها جريمة منصوصا عليها بالتحريم، والتجريم ،ولما تنطوي عليه من جرائم منصوص عليها أيضا ،كالكذب والتزوير، والسرقة، والرشوة، ونحوها ، وهناك قضايا مشابهة تنظر لدى المحاكم المدنية وهي قضايا التدليس المدني.
حادي عشر- لجرائم النصب، والاحتيال آثار سلبية على الجوانب التنظيمية، والاجتماعية ،والاقتصادية، تتمثل بفشو الخلق السافل ،والبطالة، وتبديد الهمم السوية ، (http://www.tunisia-cafe.com/vb)وفساد الأنظمة ،وفشلها، واليأس من الإصلاح، ونحو ذلك.
وغير ذلك من النتائج التي توصلت إليها في هذا الجهد المتواضع -سائلا المولى الكريم التوفيق، والقبول، ومتبرئا من الحول، والقوة إلا به، ومعتذرا عما بدر من خلل، وتقصير- وصلى الله ،وسلم على نبينا محمد، وعلى آله ،وصحبه أجمعين...