FaReS_X2
10-09-2010, 06:55 AM
بحث فى إقامة حجة الوفاة في القانون التونسى
إثبات الوفاة في القانون التونسي
أما إثبات الوفاة في القانون التونسي وبالرغم من كون الموت من الوقائع الطبيعية التي تثبت عادة بجميع وسائل الإثبات فقد خصه المشرع بأحكام اثبات استثنائية وردت في القانون عدد 3 لسنة 1957 المؤرخ في أول أوت 1957 المتعلق بمجلة الحالة المدنية نظرا لما ينتج عنه من آثار. وحسب أحكام هذا القانون فأن الوفاة تثبت بكتب رسمي هو "رسم الوفاة" الذي يحرره مبدئيا ضابط الحالة المدنية بالمنطقة التي وقعت بها الوفاة ويقع تحريره طبقا لتصريح من أحد أقارب المتوفى أو من أي شخص لديه عن الحالة المدنية للميت وورثته إرشادات صحيحة بقدر الإمكان. ولا يوجد أي شرط يجب توفره في المصرح فلا فرق في ذلك بين الذكر والأنثى[7]. وأوجب الفصل 47 من قانون الحالة المدنية التنصيص على جملة من البيانات برسم الوفاة فيقع ذكر اسم المتوفى ولقبه ومكان وتاريخ الوفاة الساعة واليوم والشهر والسنة وتاريخ ومكان ولادة المتوفى وحرفته ومقره وجنسيته واسمي أبويه ولقبهما ومقرهما وجنسيتهما واسم القرين ولقبه إذا كان متزوجا أو أرملا أو مطلقا واسم من قام بالتصريح ولقبه وحرفته ومقره ودرجة قرابته بالمتوفى. وعلى ضابط الحالة المدنية أن يمتنع عن ذكر ظروف الوفاة سواء ما تعلق بأسبابها أو مكانها ويجب أن يقع الإعلام بالوفاة في أجل ثلاثة أيام وإذا لم يقع الإعلام في الأجل القانوني فإنه لا يمكن لضابط الحالة المدنية تضمينها بدفاتره إلا بمقتضى إذن صادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بالجهة التي حصلت بها الوفاة. كما على ضابط الحالة المدنية أن يعلم وكيل الجمهورية بالمنطقة أو ضابط الشرطة العدلية بها إذا ما تبين له أن هنالك علامات تدل على أن الموت ناتج عن عنف أو عن أي ظروف تثير الشك.[8] ويلزم القانون ضابط الحالة المدنية بأن يوجه إلى وكيل الجمهورية أو حاكم الناحية مضمونين من رسم الوفاة الذي حرره ويجري الحاكم عند اتصاله بذلك بحثا بقصد معرفة الورثة ثم يقيم حجة الوفاة[9] التي تعد الوثيقة الرسمية الثانية المثبتة للوفاة و لصفة الوارث. "فحجة الوفاة" هي وثيقة رسمية يقيمها قاضي الناحية الذي بدائرته وقعت الوفاة ويتولى فيها ضبط ورثة شخص توفي وما ترك من عقارات مسجلة[10]. أما حجة وفاة من مات قبل تاريخ غرة جويلية 1964 فيقيمها عدول الإشهاد لأن تحرير حجج الوفيات الحاصلة قبل التاريخ المذكور كانت ولا تزال من مشمولاتهم. إذ بمقتضى تنقيح الفصل 44 من القانون عدد3 لسنة 1957 المؤرخ في غرة أوت 1957 بالمرسوم عدد5 لسنة 1964 المؤرخ في 21 فيفري 1964 والمصادق عليه بالقانون عدد 7 لسنة 1964 المـؤرخ في 21 ماي 1964 أسند الاختصاص إلى قاضي الناحية وجعـل الحصول على حجة الوفاة مجاني. والغاية الرئيسية من هذا التنقيح كانت محاولة المشرّع القضاء على ظاهرة الرسوم العقارية المجمدة[11] ولذلك فرض على قاضي الناحية تمكين حافظ الملكية العقارية من رسوم وحجج الوفاة ليضمن ذلك بدفاتره ويحافظ على مبدأ التسلسل ولا يجعله رهين إرادة الأشخاص الذين يمكن أن يقوموا ببيع العقار دون التصريح بوفاة مورثهم ويخضع العقار بذلك لعمليات متتالية فتختلف وضعيته المادية عن وضعيته القانونية بشكل غير قابل للتدارك. لكن المشرّع نص على هذا الواجب دون أن يحدد أجلا لذلك أو يبين الجزاء الذي يمكن أن يترتب عن عدم احترامه مما جعله دون جدوى إذ هو لا يقع تطبيقه بصفة آلية في الواقع إن لم نقل أنه مهجور عمليا. ويستخلص من هذا التقديم انه إذا كان مضمون الوفاة معدا أساسا لإثبات واقعة الوفاة بحد ذاتها فإن حجة الوفاة مخصصة لحصر ورثة الهالك وما خلفه وراءه من عقارات مسجلة[12]. ورغم أهمية حجة الوفاة باعتبارها وسيلة لإثبات صفة الوارث فإن المشرّع لم يولها العناية اللازمة عند تنظيمه لها حيث نجد أنه لم يخصص لها سوى فقرتين في الفصل 44 من قانون الحالة المدنية تمت إضافتهما سنة 1964 بينما تم ضبط دور قاضي الناحية في إعداد حجة الوفاة بموجب منشور وزاري[13] وقد أدى هذا القصور الواضح في التنظيم التشريعي إلى ظهور عديد الإشكاليات على مستوى التطبيق[14]. لعل من أبرزها غياب أنموذجا موحدا لحجة الوفاة [15] كما أن قواعد إقامتها وخاصة عند تقاعس الورثة عن ذلك غير مضبوطة ويبقى الأمر رهين اجتهاد قضاة النواحي وقد أدى ذلك إلى بروز إشكالية جوهرية تتعلق بالتساؤل حول:ما هي الإجراءات القانونية التي يجب إتباعها لإقامة حجة الوفاة؟. والملاحظ من خلال ما جاء بالفصل 44 ق.ح.م أن المشرع لم يتعرض إلى دور الورثة أنفسهم في إقامة حجة الوفاة[16] مع أنه تعرض إلى دورهم في ذلك بالفصل الأول من أمر 18/7/1957 المتعلق بتسمية المقدمين الذي فرض على الوصي أو الرشداء أن يعلموا وكيل الجمهورية أو حاكم الناحية عندما يكون من بين الورثة قصر و ذلك في أجل ثلاثة أيام من تاريخ الوفاة فدراسة إجراءات إقامة حجة الوفاة تستدعي إذاً البحث في الدور المناط بقاضي الناحية (الجزء الأول) و من ثم لابد من تحديد دور الأطراف في إقامة هذه الحجة (الجزء الثاني).
الجزء الأول- إقامة حجة الوفاة من طرف قاضي الناحية:
إن إقامة حجة الوفاة من قبل قاضي الناحية هو عمل ولائي لا قضائي مما لا يضفي على تلك الحجة صبغة الحكم[17]. فحجج الوفاة التي تقام لدى محاكم النواحي ليست من قبيل الأحكام مثلما يدل على ذلك التعبير عنها بحجة الوفاة من طرف المشرع نفسه بالفصل 44 من مجلة الحالة المدنية ومن باب أولى ما يجريه حاكم الناحية عليها من إصلاح أو تعديل في حدود ما خوّله له القانون فلا يمكن أن يعتبر حكما قائما بذاته مثل الأحكام العادية الصادرة عن محاكم النواحي وعمله ذلك إنما يتصرف بكونه محررا لوثيقة لا أكثر ولا أقل[18] فحجة الوفاة ليست لها صبغة حكمية وإنما تقام بناءا على أساس تصريح من الورثة أو من شهود[19] وإقامتها من قبل قاضي الناحية هي من الأعمال الخاصة التي أسندها إليه المشرّع بصورة مطلقة بهدف ضبط ورثة المتوفين وهو من الأعمال الوجوبية الموكولة إليه حسب الفقرة الثالثة من الفصل 44 من القانون عدد 3 لسنة 1957 المؤرخ في غرة أوت 1957 المتعلق بتنظيم الحالة المدنية المضافة بموجب المرسوم عدد 5 لسنة 1964 المؤرخ في 21 فيفري 1964 المصادق عليه بالقانون عدد 7 لسنة 1964 المؤرخ في 21 ماي 1964 وتبعا لذلك فإن إقامة حجة الوفاة لا تعد من الأعمال القضائية الحكمية لكونها لا تنبني على وجود نزاع يخضع البت فيه لمبدأ المواجهة ولا هي كذلك من الأعمال القضائية الولائية باعتبار أنها لا ترتبط بضرورة تقديم طلب بشأنها بل هي من الأعمال الخاصة الوجوبية لقاضي الناحية كما هو مبين أعلاه وهي تهم النظام العام وتنبني على أبحاث استقرائية بخصوص تحديد الورثة وهو ما يؤكد خصوصيتها عن الأحكام القضائية والقرارات الولائية[20].
وتأكيدا لما سبق فقد نص المشرّع صراحة بالفصل 44 من قانون الحالة المدنية على أن قاضي الناحية أو وكيل الجمهورية يقيم حجة الوفاة بمجرد وصول رسم الوفاة إليه من قبل ضابط الحالة المدنية فهو لا ينتظر طلب ذلك من قبل الأطراف وانما يجري عند اتصاله بمضمونين من رسم الوفاة بحثا بقصد معرفة الورثة ثم يقيم حجة الوفاة. ويمكن القول أن دور قاضي الناحية يختلف ما بين قانون الحالة المدنية وأمر19/7 1957 المتعلق بتسمية المقدمين.
أولا- دور قاضي الناحية حسب قانون الحالة المدنية (tn):
إن القانون عدد 3 المؤرخ في 1 أوت 1957 المتعلق بتنظيم الحالة المدنية قد ألزم قاضي الناحية أن يقوم ببحث قصد إقامة حجة الوفاة وذلك بمجرد توصله بمضمون الوفاة المرسل إليه من طرف ضابط الحالة المدنية وإذا اشتمل المخلف على عقار أو عدة عقارات مسجلة فإن قاضي الناحية بدوره يوجه نسخة من حجة الوفاة ومضمونا من رسم الوفاة إلى حافظ الملكية العقارية بقصد ترسيم الوفاة برسم أو برسوم الملكية[21]وهو ما نص عليه الفصل 44 من قانون الحالة المدنية صراحة ونظمه المنشور عدد 197/1964 ما يلي : "إن قاضي الناحية يجب عليه بمجرد اتصاله بمضمون رسم الوفاة من ضابط الحالة المدنية أن يستدعي في الحال أقارب الهالك أو أجواره عند الاقتضاء أو شيخ الفريق أو محرك القسم حسب الأحوال للبحث عن ورثة الهالك الحقيقيين والتأمل من الوثائق التي يجب على الورثة الإدلاء بها لمعرفة صلتهم بالهالك ودرجة قرابتهم به وتعيين ذوي الفروض والعصبات منهم ثم يقيم على أساس ما تجمع لديه من المعلومات والإرشادات رسم الوفاة ( والمقصود حجة الوفاة ) " وبمجرد أن صدر كل من قانون الحالة المدنية والمنشور السالف بيانه برزت عدة صعوبات أفضت إلى عدم القيام بتلك الأبحاث. وهو ما يثبته المنشور الصادر عن كتابة الدولة للعدل تحت عدد 1216 بتاريخ 28 ديسمبر 1964 المتعلق بإقامة رسوم الوفاة والذي تضمن ما يلي:" إن إجراء العمل بالمرسوم رقم 5 الصادر في 21 فيفري 1964 المتعلق بإقامة رسوم الوفيات لدى محاكم النواحي حسبما وقع شرحه بالمنشور عدد197 السالف الذكر أفرز بعض الصعوبات المتمثلة أساسا في تكاثر الإعلامات بالوفاة من طرف ضباط الحالة المدنية مما أدى إلى فتح ملفات عديدة لدى محاكم النواحي تعذر القيام في شأنها بالإجراءات التحضيرية والأبحاث بما يتطلب ذلك من سرعة تحقيقا للهدف الذي يرمي إليه التشريع الجديد للحيلولة دون تعطيل المصالح كعدم حضور الورثة أو الشهود الواقع استدعاؤهم في الآجال المعينة". ولتجاوز هذه الصعوبة تبنى هذا المنشور حلا يتمثل في أنه بمجرد ترسيم الوفاة يحرر ضابط الحالة المدنية استدعاء يسلمه إلى نفس الشخص الذي أعلمه بالوفاة ليحضر في تاريخ يعينه له بالاستدعاء لا يتجاوز أسبوعا من تاريخ ترسيم الوفاة لدى محكمة الناحية بالمنطقة مصحوبا بشاهدين مطلعين اطلاعا كاملا على حالة المتوفى وعلى معرفة تامة بورثته. على أن يكون ذلك المعلم مزودا بكل الوثائق التي يتوقف عليها تحرير رسم الوفاة كبطاقات الحالة المدنية للقاصر والرشيد وما يفيد الزوجية. ولكن هذا الحل المقترح لم يبدل كثيرا في واقع الحال مما أدى بالمشرع إلى التدخل مجددا واقرار حل جزئي خاص بالحقوق المرسمة بادارة الملكية العقارية إذ من بين إضافات القانون عدد 46 بتاريخ 4 ماي 1992 المنقح لمجلة الحقوق العينية الفصل 373 جديد الذي أصبح ينص على أنه "لا يجوز للورثة أو الموصى لهم التصرف القانوني في حق عيني مرسم مشمول بالتركة أو بالوصية حسب الحال قبل ترسيم انتقال الملكية بالوفاة". مما يعني أن المشرع ألزم الورثة بترسيم انتقال الملكية بالوفاة قبل التصرف القانوني في حق عيني مشمول بالإرث[22]. و"أصبح من الواضح أن الغاية من القيد الذي فرضه المشرع على التصرف القانوني في الحق العيني المرسم المشمول بالتركة أو بالوصية هي الحث على المسارعة بترسيم الوفاة من قبل من يعنيهم الأمر اتحدوا أم تعددوا وهو أمر يدخل في نطاق السياسة العامة الواقع انتهاجها للمحافظة على مصداقية الرسم العقاري ولهذا فلا محل للتخوف إذا تضافرت جهود المواطنين والقضاء والإدارة على سلوك مسلك العزم والحزم للقيام بالإجراءات القانونية المسطرة في هذا الخصوص"[23].
فالغاية من هذا التنقيح هي تجاوز ما آلت إليه أحكام الفقرتين الثالثة والرابعة من الفصل 44 ق ح م من هجر وجمود.
ثانيا - دور حاكم الناحية حسب أمر 19/7/ 1957
عندما يتوفى شخص معين ويترك من بين ورثته قاصرا فإن الرشداء من الورثة والمقدم على القاصر يجب أن يعلموا بهذه الوفاة وكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية التابع لدائرتها مكان افتتاح التركة أو حاكم الناحية المختص ترابيا[24]. وبمجرد حصول العلم لوكيل الجمهورية أو لحاكم الناحية بافتتاح التركة التي من بين مستحقيها قاصر يجب عليه أن يقيم حجة الوفاة التي يضمنها أسماء كل الورثة وسن كل القاصرين منهم وأن يطلب من المقدم على القاصر والورثة الرشداء تضمين كل مكونات التركة برقيم خاص.
إذ جاء بالفصل الأول من الأمر المذكور مايلي:"من يتوفى عن تركة ذات أهمية و يترك من بين ورثته من كان قاصراً فإنه يجب على الوصي و الرشداء من الورثة أن يعملوا بوفاته في ظرف ثلاثة أيام وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية الواقعة في دائرتها الوفاة أو حاكم الناحية بالنسبة للمركز الذي لا يوجد به وكيل الجمهورية و يمكن أن يقع الإعلام للوالي أو المعتمد أو شيخ التراب و هؤلاء يبلغون الإعلام كتابة لوكيل الجمهورية أو حاكم الناحية في ظرف أربع و عشرين ساعة". وينص الفصل الثاني من ذات الأمر على ما يلي:"بمجرد حصول العلم لوكيل الجمهورية أو حاكم الناحية بالوفاة فإنه يأذن حالاً بإقامة رسم الوفاة و يجري بعد ذلك في ظرف أجل لا يتجاوز العشرين يوماً ما يراه مناسباً و مطابقاً للحال في تقييد التركة و ضبطها و حفظها". أما الفصل الثالث منه فينص في فقرته الأولى على مايلي:" يتضمن رسم الوفاة أسماء جملة الورثة و عمر من كان دون سن الرشد بغاية التحري". وصياغة هذه النصوص تستوجب بعض الملاحظات:
الملاحظة الأولى: المشرع يستخدم في النص العربي عبارة " رسم الوفاة " بينما يستخدم في النص الفرنسي عبارة "L`acte de notoriété de décès" ؟ أي حجة الوفاة وهو المصطلح الأدق والأصح.
الملاحظة الثانية: النص يشير إلى أن حاكم الناحية "يأذن حالا بإقامة رسم الوفاة". والسؤال المطروح هنا ما المقصود بأن حاكم الناحية يأذن وإلى من سيأذن؟ فمن المفروض أنه في هذه الحالة سيرجع إلى الحالة السابقة الواردة في الفصل44 ق ح م أي أنه سيقوم وبصفة تلقائية بإجراء بحث قصد معرفة الورثة وإقامة حجة الوفاة. مما يعني أن صياغة أمر 19/7/1957 رديئة جدا ولم تعد تتناسب مع ما هو معمول به في النصوص اللاحقة له وهو ما يستدعي إعادة صياغتها حتما وذلك من خلال تكريس دور الأطراف في إقامة حجة الوفاة.
الجزء الثاني: إقامة حجة الوفاة بطلب من الأطـراف
إن البحث في دور الأطراف في إقامة حجة الوفاة قد لا يبدو غريباً و لكنه من الممكن أن يكون مستغرباً. فهو ليس غريب لأنه من المفترض أن الأطراف أي من آل إليهم الحق بوفاة الهالك هم الأكثر حرصاً على إقامة حجة وفاته. ولكنه مستغرب لأن المشرع أهمل التطرق إلى دورهم تماماً فيما يتعلق بإقامة حجة الوفاة. و لعل هذا موقف راجع إلى أن المشرع وضع نظاماً تسلسلياً اعتبر بموجبه أن دور الأطراف و خاصة أقارب الهالك سيكون منحصرا فقط في إعلام ضابط الحالة المدنية بوقوع الوفاة. فلقد نظم المشرع بالفصلين 43 و 44 ق.ح.م واجب الإعلام بالوفيات.
إذ ضبط الفصل 43 أجل الإعلام بالوفاة و هو ثلاثة أيام لا يمكن بعدها ترسيم الوفاة بدفاتر الحالة المدنية إلا بمقتضى إذن صادر عن رئيس المحكمة الابتدائية.
و نظم الفصل 44 كيفية تحرير رسم الوفاة إذ جاء فيه "يحرر رسم الوفاة ضابط الحالة المدنية بالمنطقة التي وقعت فيها الوفاة و ذلك طبق تصريح من قريب الهالك أو من شخص لديه عن حالته المدنية إرشادات صحيحة تامة بقدر الإمكان...".
و بعد هذا التصريح الحاصل من أقارب الهالك أو الغير يقيم ضابط الحالة المدنية رسم الوفاة لينطلق بعد ذلك دور السلط القضائية و الإدارية و ينتهي دور الأفراد.
أي أن واجب أقارب الهالك حسب النص ينحصر مبدئياً في إقامة رسم الوفاة لدى ضابط الحالة المدنية و بعدها يكون هذا الأخير مطالباً بإعلام قاضي الناحية ووكيل الجمهورية بوقوع الوفاة و يوجه إليهما مضمونين من رسم الوفاة ليأتي إثرها دور قاضي الناحية في إقامة حجة الوفاة. و يبدو أن هذا التسلسل في توزيع الأدوار هو السبب الرئيس في عدم تخصيص المشرع أحكاما قانونية للتصريح الصادر عن الأطراف. و لكن ما افترضه المشرع في النص لم يتحقق في الواقع لسببين على الأقل:
أولاً- أن الوضعية أحياناً تكون معقدة خاصة فيما يتعلق بالتركات الشاغرة.
ثانياً- لأن الجهات الإدارية و القضائية لم تلتزم بآلية العمل التي ضبطها المشرع في النص[25]و بالتالي لم تقم بالواجب المناط بعهدتها و خاصة فيما يتعلق بقضاة النواحي الذين جرت العادة لديهم أن لا يقيموا حجة الوفاة إلا بمقتضى تصريح من أقارب الهالك مما يعني عادة أن الأكثر حرصاً على القيام بالتصريح هم أقارب الهالك الوارثين وخاصة منهم. وهو ما أشارت إليه المحكمة الابتدائية بتونس في حكمها عدد [26]42186 الذي جاء فيه ما يلي:" إن الفصل 44 من قانون تنظيم الحالة المدنية لم يحصر الأشخاص الذين يمكن أن يصرحوا بالوفاة ولم يضبط شروطا خاصة بهم". ولذلك فيمكن القول أن المبدأ هو أن يقع التصريح قصد إقامة حجة الوفاة من أحد أقارب الهالك (أولا) إلا أن هناك حالات استثنائية تستوجب قيام غيرهم به (ثانيا).
يتبع
إثبات الوفاة في القانون التونسي
أما إثبات الوفاة في القانون التونسي وبالرغم من كون الموت من الوقائع الطبيعية التي تثبت عادة بجميع وسائل الإثبات فقد خصه المشرع بأحكام اثبات استثنائية وردت في القانون عدد 3 لسنة 1957 المؤرخ في أول أوت 1957 المتعلق بمجلة الحالة المدنية نظرا لما ينتج عنه من آثار. وحسب أحكام هذا القانون فأن الوفاة تثبت بكتب رسمي هو "رسم الوفاة" الذي يحرره مبدئيا ضابط الحالة المدنية بالمنطقة التي وقعت بها الوفاة ويقع تحريره طبقا لتصريح من أحد أقارب المتوفى أو من أي شخص لديه عن الحالة المدنية للميت وورثته إرشادات صحيحة بقدر الإمكان. ولا يوجد أي شرط يجب توفره في المصرح فلا فرق في ذلك بين الذكر والأنثى[7]. وأوجب الفصل 47 من قانون الحالة المدنية التنصيص على جملة من البيانات برسم الوفاة فيقع ذكر اسم المتوفى ولقبه ومكان وتاريخ الوفاة الساعة واليوم والشهر والسنة وتاريخ ومكان ولادة المتوفى وحرفته ومقره وجنسيته واسمي أبويه ولقبهما ومقرهما وجنسيتهما واسم القرين ولقبه إذا كان متزوجا أو أرملا أو مطلقا واسم من قام بالتصريح ولقبه وحرفته ومقره ودرجة قرابته بالمتوفى. وعلى ضابط الحالة المدنية أن يمتنع عن ذكر ظروف الوفاة سواء ما تعلق بأسبابها أو مكانها ويجب أن يقع الإعلام بالوفاة في أجل ثلاثة أيام وإذا لم يقع الإعلام في الأجل القانوني فإنه لا يمكن لضابط الحالة المدنية تضمينها بدفاتره إلا بمقتضى إذن صادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بالجهة التي حصلت بها الوفاة. كما على ضابط الحالة المدنية أن يعلم وكيل الجمهورية بالمنطقة أو ضابط الشرطة العدلية بها إذا ما تبين له أن هنالك علامات تدل على أن الموت ناتج عن عنف أو عن أي ظروف تثير الشك.[8] ويلزم القانون ضابط الحالة المدنية بأن يوجه إلى وكيل الجمهورية أو حاكم الناحية مضمونين من رسم الوفاة الذي حرره ويجري الحاكم عند اتصاله بذلك بحثا بقصد معرفة الورثة ثم يقيم حجة الوفاة[9] التي تعد الوثيقة الرسمية الثانية المثبتة للوفاة و لصفة الوارث. "فحجة الوفاة" هي وثيقة رسمية يقيمها قاضي الناحية الذي بدائرته وقعت الوفاة ويتولى فيها ضبط ورثة شخص توفي وما ترك من عقارات مسجلة[10]. أما حجة وفاة من مات قبل تاريخ غرة جويلية 1964 فيقيمها عدول الإشهاد لأن تحرير حجج الوفيات الحاصلة قبل التاريخ المذكور كانت ولا تزال من مشمولاتهم. إذ بمقتضى تنقيح الفصل 44 من القانون عدد3 لسنة 1957 المؤرخ في غرة أوت 1957 بالمرسوم عدد5 لسنة 1964 المؤرخ في 21 فيفري 1964 والمصادق عليه بالقانون عدد 7 لسنة 1964 المـؤرخ في 21 ماي 1964 أسند الاختصاص إلى قاضي الناحية وجعـل الحصول على حجة الوفاة مجاني. والغاية الرئيسية من هذا التنقيح كانت محاولة المشرّع القضاء على ظاهرة الرسوم العقارية المجمدة[11] ولذلك فرض على قاضي الناحية تمكين حافظ الملكية العقارية من رسوم وحجج الوفاة ليضمن ذلك بدفاتره ويحافظ على مبدأ التسلسل ولا يجعله رهين إرادة الأشخاص الذين يمكن أن يقوموا ببيع العقار دون التصريح بوفاة مورثهم ويخضع العقار بذلك لعمليات متتالية فتختلف وضعيته المادية عن وضعيته القانونية بشكل غير قابل للتدارك. لكن المشرّع نص على هذا الواجب دون أن يحدد أجلا لذلك أو يبين الجزاء الذي يمكن أن يترتب عن عدم احترامه مما جعله دون جدوى إذ هو لا يقع تطبيقه بصفة آلية في الواقع إن لم نقل أنه مهجور عمليا. ويستخلص من هذا التقديم انه إذا كان مضمون الوفاة معدا أساسا لإثبات واقعة الوفاة بحد ذاتها فإن حجة الوفاة مخصصة لحصر ورثة الهالك وما خلفه وراءه من عقارات مسجلة[12]. ورغم أهمية حجة الوفاة باعتبارها وسيلة لإثبات صفة الوارث فإن المشرّع لم يولها العناية اللازمة عند تنظيمه لها حيث نجد أنه لم يخصص لها سوى فقرتين في الفصل 44 من قانون الحالة المدنية تمت إضافتهما سنة 1964 بينما تم ضبط دور قاضي الناحية في إعداد حجة الوفاة بموجب منشور وزاري[13] وقد أدى هذا القصور الواضح في التنظيم التشريعي إلى ظهور عديد الإشكاليات على مستوى التطبيق[14]. لعل من أبرزها غياب أنموذجا موحدا لحجة الوفاة [15] كما أن قواعد إقامتها وخاصة عند تقاعس الورثة عن ذلك غير مضبوطة ويبقى الأمر رهين اجتهاد قضاة النواحي وقد أدى ذلك إلى بروز إشكالية جوهرية تتعلق بالتساؤل حول:ما هي الإجراءات القانونية التي يجب إتباعها لإقامة حجة الوفاة؟. والملاحظ من خلال ما جاء بالفصل 44 ق.ح.م أن المشرع لم يتعرض إلى دور الورثة أنفسهم في إقامة حجة الوفاة[16] مع أنه تعرض إلى دورهم في ذلك بالفصل الأول من أمر 18/7/1957 المتعلق بتسمية المقدمين الذي فرض على الوصي أو الرشداء أن يعلموا وكيل الجمهورية أو حاكم الناحية عندما يكون من بين الورثة قصر و ذلك في أجل ثلاثة أيام من تاريخ الوفاة فدراسة إجراءات إقامة حجة الوفاة تستدعي إذاً البحث في الدور المناط بقاضي الناحية (الجزء الأول) و من ثم لابد من تحديد دور الأطراف في إقامة هذه الحجة (الجزء الثاني).
الجزء الأول- إقامة حجة الوفاة من طرف قاضي الناحية:
إن إقامة حجة الوفاة من قبل قاضي الناحية هو عمل ولائي لا قضائي مما لا يضفي على تلك الحجة صبغة الحكم[17]. فحجج الوفاة التي تقام لدى محاكم النواحي ليست من قبيل الأحكام مثلما يدل على ذلك التعبير عنها بحجة الوفاة من طرف المشرع نفسه بالفصل 44 من مجلة الحالة المدنية ومن باب أولى ما يجريه حاكم الناحية عليها من إصلاح أو تعديل في حدود ما خوّله له القانون فلا يمكن أن يعتبر حكما قائما بذاته مثل الأحكام العادية الصادرة عن محاكم النواحي وعمله ذلك إنما يتصرف بكونه محررا لوثيقة لا أكثر ولا أقل[18] فحجة الوفاة ليست لها صبغة حكمية وإنما تقام بناءا على أساس تصريح من الورثة أو من شهود[19] وإقامتها من قبل قاضي الناحية هي من الأعمال الخاصة التي أسندها إليه المشرّع بصورة مطلقة بهدف ضبط ورثة المتوفين وهو من الأعمال الوجوبية الموكولة إليه حسب الفقرة الثالثة من الفصل 44 من القانون عدد 3 لسنة 1957 المؤرخ في غرة أوت 1957 المتعلق بتنظيم الحالة المدنية المضافة بموجب المرسوم عدد 5 لسنة 1964 المؤرخ في 21 فيفري 1964 المصادق عليه بالقانون عدد 7 لسنة 1964 المؤرخ في 21 ماي 1964 وتبعا لذلك فإن إقامة حجة الوفاة لا تعد من الأعمال القضائية الحكمية لكونها لا تنبني على وجود نزاع يخضع البت فيه لمبدأ المواجهة ولا هي كذلك من الأعمال القضائية الولائية باعتبار أنها لا ترتبط بضرورة تقديم طلب بشأنها بل هي من الأعمال الخاصة الوجوبية لقاضي الناحية كما هو مبين أعلاه وهي تهم النظام العام وتنبني على أبحاث استقرائية بخصوص تحديد الورثة وهو ما يؤكد خصوصيتها عن الأحكام القضائية والقرارات الولائية[20].
وتأكيدا لما سبق فقد نص المشرّع صراحة بالفصل 44 من قانون الحالة المدنية على أن قاضي الناحية أو وكيل الجمهورية يقيم حجة الوفاة بمجرد وصول رسم الوفاة إليه من قبل ضابط الحالة المدنية فهو لا ينتظر طلب ذلك من قبل الأطراف وانما يجري عند اتصاله بمضمونين من رسم الوفاة بحثا بقصد معرفة الورثة ثم يقيم حجة الوفاة. ويمكن القول أن دور قاضي الناحية يختلف ما بين قانون الحالة المدنية وأمر19/7 1957 المتعلق بتسمية المقدمين.
أولا- دور قاضي الناحية حسب قانون الحالة المدنية (tn):
إن القانون عدد 3 المؤرخ في 1 أوت 1957 المتعلق بتنظيم الحالة المدنية قد ألزم قاضي الناحية أن يقوم ببحث قصد إقامة حجة الوفاة وذلك بمجرد توصله بمضمون الوفاة المرسل إليه من طرف ضابط الحالة المدنية وإذا اشتمل المخلف على عقار أو عدة عقارات مسجلة فإن قاضي الناحية بدوره يوجه نسخة من حجة الوفاة ومضمونا من رسم الوفاة إلى حافظ الملكية العقارية بقصد ترسيم الوفاة برسم أو برسوم الملكية[21]وهو ما نص عليه الفصل 44 من قانون الحالة المدنية صراحة ونظمه المنشور عدد 197/1964 ما يلي : "إن قاضي الناحية يجب عليه بمجرد اتصاله بمضمون رسم الوفاة من ضابط الحالة المدنية أن يستدعي في الحال أقارب الهالك أو أجواره عند الاقتضاء أو شيخ الفريق أو محرك القسم حسب الأحوال للبحث عن ورثة الهالك الحقيقيين والتأمل من الوثائق التي يجب على الورثة الإدلاء بها لمعرفة صلتهم بالهالك ودرجة قرابتهم به وتعيين ذوي الفروض والعصبات منهم ثم يقيم على أساس ما تجمع لديه من المعلومات والإرشادات رسم الوفاة ( والمقصود حجة الوفاة ) " وبمجرد أن صدر كل من قانون الحالة المدنية والمنشور السالف بيانه برزت عدة صعوبات أفضت إلى عدم القيام بتلك الأبحاث. وهو ما يثبته المنشور الصادر عن كتابة الدولة للعدل تحت عدد 1216 بتاريخ 28 ديسمبر 1964 المتعلق بإقامة رسوم الوفاة والذي تضمن ما يلي:" إن إجراء العمل بالمرسوم رقم 5 الصادر في 21 فيفري 1964 المتعلق بإقامة رسوم الوفيات لدى محاكم النواحي حسبما وقع شرحه بالمنشور عدد197 السالف الذكر أفرز بعض الصعوبات المتمثلة أساسا في تكاثر الإعلامات بالوفاة من طرف ضباط الحالة المدنية مما أدى إلى فتح ملفات عديدة لدى محاكم النواحي تعذر القيام في شأنها بالإجراءات التحضيرية والأبحاث بما يتطلب ذلك من سرعة تحقيقا للهدف الذي يرمي إليه التشريع الجديد للحيلولة دون تعطيل المصالح كعدم حضور الورثة أو الشهود الواقع استدعاؤهم في الآجال المعينة". ولتجاوز هذه الصعوبة تبنى هذا المنشور حلا يتمثل في أنه بمجرد ترسيم الوفاة يحرر ضابط الحالة المدنية استدعاء يسلمه إلى نفس الشخص الذي أعلمه بالوفاة ليحضر في تاريخ يعينه له بالاستدعاء لا يتجاوز أسبوعا من تاريخ ترسيم الوفاة لدى محكمة الناحية بالمنطقة مصحوبا بشاهدين مطلعين اطلاعا كاملا على حالة المتوفى وعلى معرفة تامة بورثته. على أن يكون ذلك المعلم مزودا بكل الوثائق التي يتوقف عليها تحرير رسم الوفاة كبطاقات الحالة المدنية للقاصر والرشيد وما يفيد الزوجية. ولكن هذا الحل المقترح لم يبدل كثيرا في واقع الحال مما أدى بالمشرع إلى التدخل مجددا واقرار حل جزئي خاص بالحقوق المرسمة بادارة الملكية العقارية إذ من بين إضافات القانون عدد 46 بتاريخ 4 ماي 1992 المنقح لمجلة الحقوق العينية الفصل 373 جديد الذي أصبح ينص على أنه "لا يجوز للورثة أو الموصى لهم التصرف القانوني في حق عيني مرسم مشمول بالتركة أو بالوصية حسب الحال قبل ترسيم انتقال الملكية بالوفاة". مما يعني أن المشرع ألزم الورثة بترسيم انتقال الملكية بالوفاة قبل التصرف القانوني في حق عيني مشمول بالإرث[22]. و"أصبح من الواضح أن الغاية من القيد الذي فرضه المشرع على التصرف القانوني في الحق العيني المرسم المشمول بالتركة أو بالوصية هي الحث على المسارعة بترسيم الوفاة من قبل من يعنيهم الأمر اتحدوا أم تعددوا وهو أمر يدخل في نطاق السياسة العامة الواقع انتهاجها للمحافظة على مصداقية الرسم العقاري ولهذا فلا محل للتخوف إذا تضافرت جهود المواطنين والقضاء والإدارة على سلوك مسلك العزم والحزم للقيام بالإجراءات القانونية المسطرة في هذا الخصوص"[23].
فالغاية من هذا التنقيح هي تجاوز ما آلت إليه أحكام الفقرتين الثالثة والرابعة من الفصل 44 ق ح م من هجر وجمود.
ثانيا - دور حاكم الناحية حسب أمر 19/7/ 1957
عندما يتوفى شخص معين ويترك من بين ورثته قاصرا فإن الرشداء من الورثة والمقدم على القاصر يجب أن يعلموا بهذه الوفاة وكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية التابع لدائرتها مكان افتتاح التركة أو حاكم الناحية المختص ترابيا[24]. وبمجرد حصول العلم لوكيل الجمهورية أو لحاكم الناحية بافتتاح التركة التي من بين مستحقيها قاصر يجب عليه أن يقيم حجة الوفاة التي يضمنها أسماء كل الورثة وسن كل القاصرين منهم وأن يطلب من المقدم على القاصر والورثة الرشداء تضمين كل مكونات التركة برقيم خاص.
إذ جاء بالفصل الأول من الأمر المذكور مايلي:"من يتوفى عن تركة ذات أهمية و يترك من بين ورثته من كان قاصراً فإنه يجب على الوصي و الرشداء من الورثة أن يعملوا بوفاته في ظرف ثلاثة أيام وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية الواقعة في دائرتها الوفاة أو حاكم الناحية بالنسبة للمركز الذي لا يوجد به وكيل الجمهورية و يمكن أن يقع الإعلام للوالي أو المعتمد أو شيخ التراب و هؤلاء يبلغون الإعلام كتابة لوكيل الجمهورية أو حاكم الناحية في ظرف أربع و عشرين ساعة". وينص الفصل الثاني من ذات الأمر على ما يلي:"بمجرد حصول العلم لوكيل الجمهورية أو حاكم الناحية بالوفاة فإنه يأذن حالاً بإقامة رسم الوفاة و يجري بعد ذلك في ظرف أجل لا يتجاوز العشرين يوماً ما يراه مناسباً و مطابقاً للحال في تقييد التركة و ضبطها و حفظها". أما الفصل الثالث منه فينص في فقرته الأولى على مايلي:" يتضمن رسم الوفاة أسماء جملة الورثة و عمر من كان دون سن الرشد بغاية التحري". وصياغة هذه النصوص تستوجب بعض الملاحظات:
الملاحظة الأولى: المشرع يستخدم في النص العربي عبارة " رسم الوفاة " بينما يستخدم في النص الفرنسي عبارة "L`acte de notoriété de décès" ؟ أي حجة الوفاة وهو المصطلح الأدق والأصح.
الملاحظة الثانية: النص يشير إلى أن حاكم الناحية "يأذن حالا بإقامة رسم الوفاة". والسؤال المطروح هنا ما المقصود بأن حاكم الناحية يأذن وإلى من سيأذن؟ فمن المفروض أنه في هذه الحالة سيرجع إلى الحالة السابقة الواردة في الفصل44 ق ح م أي أنه سيقوم وبصفة تلقائية بإجراء بحث قصد معرفة الورثة وإقامة حجة الوفاة. مما يعني أن صياغة أمر 19/7/1957 رديئة جدا ولم تعد تتناسب مع ما هو معمول به في النصوص اللاحقة له وهو ما يستدعي إعادة صياغتها حتما وذلك من خلال تكريس دور الأطراف في إقامة حجة الوفاة.
الجزء الثاني: إقامة حجة الوفاة بطلب من الأطـراف
إن البحث في دور الأطراف في إقامة حجة الوفاة قد لا يبدو غريباً و لكنه من الممكن أن يكون مستغرباً. فهو ليس غريب لأنه من المفترض أن الأطراف أي من آل إليهم الحق بوفاة الهالك هم الأكثر حرصاً على إقامة حجة وفاته. ولكنه مستغرب لأن المشرع أهمل التطرق إلى دورهم تماماً فيما يتعلق بإقامة حجة الوفاة. و لعل هذا موقف راجع إلى أن المشرع وضع نظاماً تسلسلياً اعتبر بموجبه أن دور الأطراف و خاصة أقارب الهالك سيكون منحصرا فقط في إعلام ضابط الحالة المدنية بوقوع الوفاة. فلقد نظم المشرع بالفصلين 43 و 44 ق.ح.م واجب الإعلام بالوفيات.
إذ ضبط الفصل 43 أجل الإعلام بالوفاة و هو ثلاثة أيام لا يمكن بعدها ترسيم الوفاة بدفاتر الحالة المدنية إلا بمقتضى إذن صادر عن رئيس المحكمة الابتدائية.
و نظم الفصل 44 كيفية تحرير رسم الوفاة إذ جاء فيه "يحرر رسم الوفاة ضابط الحالة المدنية بالمنطقة التي وقعت فيها الوفاة و ذلك طبق تصريح من قريب الهالك أو من شخص لديه عن حالته المدنية إرشادات صحيحة تامة بقدر الإمكان...".
و بعد هذا التصريح الحاصل من أقارب الهالك أو الغير يقيم ضابط الحالة المدنية رسم الوفاة لينطلق بعد ذلك دور السلط القضائية و الإدارية و ينتهي دور الأفراد.
أي أن واجب أقارب الهالك حسب النص ينحصر مبدئياً في إقامة رسم الوفاة لدى ضابط الحالة المدنية و بعدها يكون هذا الأخير مطالباً بإعلام قاضي الناحية ووكيل الجمهورية بوقوع الوفاة و يوجه إليهما مضمونين من رسم الوفاة ليأتي إثرها دور قاضي الناحية في إقامة حجة الوفاة. و يبدو أن هذا التسلسل في توزيع الأدوار هو السبب الرئيس في عدم تخصيص المشرع أحكاما قانونية للتصريح الصادر عن الأطراف. و لكن ما افترضه المشرع في النص لم يتحقق في الواقع لسببين على الأقل:
أولاً- أن الوضعية أحياناً تكون معقدة خاصة فيما يتعلق بالتركات الشاغرة.
ثانياً- لأن الجهات الإدارية و القضائية لم تلتزم بآلية العمل التي ضبطها المشرع في النص[25]و بالتالي لم تقم بالواجب المناط بعهدتها و خاصة فيما يتعلق بقضاة النواحي الذين جرت العادة لديهم أن لا يقيموا حجة الوفاة إلا بمقتضى تصريح من أقارب الهالك مما يعني عادة أن الأكثر حرصاً على القيام بالتصريح هم أقارب الهالك الوارثين وخاصة منهم. وهو ما أشارت إليه المحكمة الابتدائية بتونس في حكمها عدد [26]42186 الذي جاء فيه ما يلي:" إن الفصل 44 من قانون تنظيم الحالة المدنية لم يحصر الأشخاص الذين يمكن أن يصرحوا بالوفاة ولم يضبط شروطا خاصة بهم". ولذلك فيمكن القول أن المبدأ هو أن يقع التصريح قصد إقامة حجة الوفاة من أحد أقارب الهالك (أولا) إلا أن هناك حالات استثنائية تستوجب قيام غيرهم به (ثانيا).
يتبع