معجم البلدان " كتاب معجم البلدان "


الكتاب : معجم البلدان
المؤلف : ياقوت الحموي


وكان المأمون يقول يستوي الشريف والوضيع من مرو في ثلاثة أشياء الطبيخ النارنك والماء البارد لكثرة الثلج بها والقطن اللين، وبمرو الرَزيق بتقديم الراءِ على الزاي والماجان وهما نهران كبيران حسنان يخترقان شوارعها ومنهما سقي أكثر ضياعها، وقال إبراهيم بن شَماس الطالقاني قدمتُ على عبد الله بن المبارك من سمرقند إلى مرو فأخذ بيدي فطاف بي حول سور مدينة مرو ثم قال يا إبراهيم مَن بَنَى هذه المدينة قلت لا أدري يا أبا عبد الرحمن قال مدينة مثل هذه لا يعرَف من بناها، وقد أخرجت مرو من الأعيان وعلماء الدين والأركان ما لم تخرج مدينة مثلهم. منهم أحمد بن محمد بن حنبل الإمام وسفيان بن سعيد الثوري مات وليس له كَفَن واسمه حي إلى يوم القيامة وإسحاق بن رَاهَويْه وعبد الله بن المبارك وغيرهم، وكان السلطان سَنجَر بن ملك شاه السلْجُوقي مع سعة ملكه قد اختارها على سائر بلاده وما زال مقيماً بها إلى أن مات وقبره بها في قُبّة عظيمة لها شباك إلى الجامع وقبتها زرقاءُ تظهر من مسيرة يوم بلغني أن بعض خدمه بناها له بعد موته ووقف عليها وقفاً لمن يقرأ القراَن ويكسو الموضع وتركتها أنا في سنة 616 على أحسن ما يكون، وبمرو جامعان للحنفية والشافعية يجمعهما السور وأقمتُ بها ثلاثة أعوام فلم أجد بها عيباً إلا ما يعتري أهلها من العرق المديني فإنهم منه في شدة عظيمة قل من ينجو منه في كل عام ولولا ما عَرَا من ورود التتر إلى تلك البلاد وخرابها لما فارقتها إلى الممات لما في أهلها من الرفْد ولين الجانب وحسن العِشرَة وكثرة كتب الأصول المتقنة بها فإني فارقتها وفيها عشر خزائن للوقف لم أر في الدنيا مثلها كثرة وجودة منها خزانتان في الجامع إحداهما يقال لها العزيزية وقفها رجل يقال له عزيز الدين أبو بكر عتيق الزنجاني أو عتيق بن أبي بكر وكان فقاعياً للسلطان سنجر وكان في أول أمره يبيع الفاكهة والريحان بسوق مرو ثم صار شرابياً له وكان ذا مكانة منه وكان فيها اثنا عشر ألف مجلداً أو ما يقاربها والأخرى يقال لها الكمالية لا أدري إلى من تنسب وبها خزانة شرف الملك المستوفي أبي سعد بن منصور في مدرسته ومات المستوفي هذا في سنة 494 وكان حنفي المذهب وخزانة نظام الملك الحسن بن إسحاق في مدرسته وخزانتان للسمعانيين وخزانة أخرى في المدرسة العميدية وخزانة لمجد الملك أحد الوزراءِ المتأخرين بها والخزائن الخاتونية في مدرستها والضميرية في خانكاه هناك وكانت سهلة التناولُ لا يفارق منزلي منها مائتا مجلد وأكثره بغير رهن تكون قيمتها مائتي دينار فكنت أرتَعُ فيها واقتبس من فوائدها وأنْساني حبها كل بلد وألهاني عن الأهل والولد وأكثر فوائد هنا الكتاب وغيره مما جمعته فهو من تلك الخزائن وكثيراً ما كنت أترنم عند كوني بمرو بقول بعض الأعراب:
أقُمْرِيةُ الوادي التي خان إلفَها ... من الدهر أحداث أتت وخطُوبُ
تعالي أطارحك البكاء فإننا ... كلانا بمرو الشاهجان غريبُ
ثم أضفتُ إليها قول أبي الحسين مسعود بن الحسن الدمشقي الحافظ: وكان قدم مرو فمات بها في سنة543 .
أخلاي إن أصبحتُمُ في دياركم ... فإني بمرو الشاهجان غريبُ
أموت اشتياقاً ثم أحيا تذكراً ... وبين التراقي والضلوع لهيبُ
فما عجب موت الغريب صبابةَ ... ولكن بقاه في الحياة عجيبُ
إلى أن خرجت عنها مفارقاً والى تلك المواطن ملتفتاً وامقاً فجعلت أترنم بقول بعضهم:
ولما تَزَايلنا عن الشعب وإنثنى ... مشرق ركب مصعد عن مغرب
تيقنت أن لا دارَ من بعد عالج ... تَسُر وأن لا خُلةً بعد زَينب
وبقول الآخر:
ليالي بمرو الشاهجان وشملنا ... جميع سقاك الله صوبَ عِهادِ
سَرَقناك من رَيب الزمان وصرفه ... وعين النوى مكحولة برقاد
تنبه صرف الدهر فاستحدث النوى ... وصيرنا شتى بكل بلاد
ولن تعدم الحسناءُ ذاما فقد قال بعض عن قدمها من أهل العراق فحنَ إلى وطنه:
وأرى بمرو الشاهجان تنكرَت ... أرض تتابع ثلجُها المذرورُ
إذ لا ترى ذا بزة مشهورة ... إلا تخال بأنه مقرورُ




يتبــــــع

مكتبة تونيزيا كافيه
منتديات تونيزيا كافيه forum tunisia cafe
http://www.tunisia-cafe.com/vb