النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: حصانة المحامي كآلية من آليات المحاكمة العادلة

  1. #1

    حصانة المحامي كآلية من آليات المحاكمة العادلة












    حصانة المحامي كآلية من آليات المحاكمة العادلة



    بقلم الأستاذة ربيعة الغزواني

    حصانة المحامي كآلية من آليات المحاكمة العادلة
    المقدمة
    يستوجب قيام المحاكمة العادلة توفر جملة من الشروط بعضها يتعلق باستقلالية جهاز القضاء وبظروف سير المحاكمة والبعض الآخر يرتبط بالوضعية القانونية والواقعية للدفاع، أي مدى توفر جملة من الضمانات التي تسمح للمحامي بان يضطلع بدوره في الدفاع عن منوبه على الوجه الأكمل.
    وفي إطار هذه الضمانات الممنوحة للمحامي تأتي مسالة الحصانة باعتبارها احد أهم الآليات التي تعزز موقع المحامي، وتضمن إلى حد بعيد توفر شروط المحاكمة العادلة.
    وعليه فان المحاكمة العادلة ليست سوى اختزال لخلاصة التطور التشريعي والطبيعة القانونية التي لا بد أن تتسم بها الدولة لمنح المواطن حقوقه فتكون المحاكمة العادلة مرتبطة بالمؤسسة القانونية في مدى عدالتها.
    ان معنى ومفهوم المحاكمة العادلة ليسا بالضرورة ظروفا وتقنيات بل إنها إطار تتحرك فيه دواليب الدولة ومؤسساتها. إذا ما تحولت السلطة القضائية إلى وسيلة في يد السلطة التنفيذية تحول جهاز الدولة بشكل اختزالي إلى أداة في يد سلطة واحدة وفقدت السلطة التشريعية كسلطة ثالثة سلطتها، وبالتالي فان المحاكمة العادلة هي حلقة الارتباط بين الدولة والقانون وهذا الارتباط هو الممارسة السليمة للقانون.
    وهكذا يكون الحق في الاستعانة بمحام حقا محوريا في شروط المحاكمة العادلة والإشكال المطروح ليس في تعيين محام ولكن في تمكين المحامي من القيام بمهامه في اطار قانوني وواقعي مريح أو مقبول.
    لذا فان الاتفاقيات الدولية عندما تنص على شروط المحاكمة العادلة مؤكدة على حضور محام وعلى ان لا يقتصر ذلك الحضور على الشكل المادي بقدر ما يعني توفير إمكانية تقديم الدفاع في ظروف مقبولة.
    ونظرا للتشعبات النظرية والفقهية الواسعة التي يثيرها أي بحث للمحاكمة العادلة فان هذا البحث سيقتصر على مناقشة آلية واحدة من آلياتها ألا و هي حصانة المحامي أي الحماية التي يتمتع بها خلال قيامه بواجباته في الدفاع و مدى مساهمته في إنجاز المحاكمة العادلة.
    معايير المحاكمة العادلة
    أوّلا : في المواثيق الدولية
    ثانيا: في القانون التونسي
    أولا: معايير المحاكمة العادلة في المواثيق الدولية:
    باعتبار أن موضوع بحثنا يتصل بحقوق الإنسان التي اجتازت الحدود الضيقة فأصبحت في أيامنا كونية مما يحيلنا ضرورة على أهم ما جاء بالتشاريع الدولية في خصوص موضوع بحثنا وكذلك بالتشريع التونسي.
    * الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:
    تنص المادة العاشرة من الإعلان على:لكل إنسان على قدم المساواة مع الآخرين الحق أن تنظر في قضيته محكمة مستقلة و محايدة نظرا منصفا و علنيا للفصل في حقوقه و التزاماته و في أية تهمة جزائية توجه إليه.
    كما جاء بالمادة الحادية عشر: كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئا إلى أن يثبت إرتكابه لها قانونا في محاكمة علنية تكون قد وفرت له فيها جميع الضمانات اللازمة للدفاع عن نفسه.
    * العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية:
    تنص المادة 14من العهد : من حق كل فرد إن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية منشأة بحكم القانون،كما إن من حق كل محتجز أن يحاكم حضوريا و أن يدافع عن نفسه بشخصه او بواسطة محام من اختياره و أن يحظر بحقه في وجود من يدافع عنه.
    * مجموعة المبادئ للأمم المتحدة المتعلقة بحماية جميع الأشخاص اللذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الإيقاف أو السجن.
    - أكدت هذه النصوص بالخصوص على الحق في اختيار محام فجاءت ناصة على أنه من حق كل مضنون فيه تكليف محام للدفاع عنه في جميع مراحل الإجراءات الجزائية (المبدآن 10 و 17 من مجموعة المبادئ ) و ينص المبدأ السابع من المبادئ الأساسية المتعلقة بدور المحامين على أن من حق الموقوفين الاستعانة بمحام فورا …
    ثانيا: معايير المحاكمة العادلة في التشريع التونسي:
    لقد تعرض الدستور التونسي إلى جملة المبادئ التي تضمن لكل إنسان حقه في محاكمة عادلة تتوفر فيها الضمانات الضرورية للدفاع عن نفسه أمام محكمة مختصة و منشأة بالقانون متركبة من قضاة مستقلين لا سلطان عليهم سوى للقانون.
    * الفصل 12 من الدستور فقرة ثانية: كل متهم بريء إلى أن تثبت إدانته في محاكمة تكفل له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عن نفسه.
    * الفصل 165: القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون.
    * الفصل الأول من القانون المؤرخ في 7 سبتمبر 1989 و المنظم لمهنة المحاماة : المحاماة مهنة حرة و مستقلة غايتها المساعدة على إقامة العدل .
    الفصل 46 : لا يترتب عن المرافعات الواقعة أمام المحاكم أية دعوى من أجل الثلب أو الشتم أو القذف أو النميمة إلاّ إذا ثبت سوء النية .
    وعليه فان النصوص التشريعية دوليا أو وطنيا في مجملها أقرت بالحق في محاكمة عادلة وأكدت أم من ضمن آليتها وجود دفاع مستقل للمتقاضي الحق المطلق في اختياره غير أن الاشكاليات التالية تبقى قائمة وتفرض نفسها على بحثنا:
    هل بالامكان اختزال الضمانات الحقيقية للمحاكمة العادلة في قضاء منصف و محايد يضمن حق الدفاع و يدعم حصانته ؟.
    هل يمكننا الحديث عن حصانة للدفاع في القانون التونسي باعتبارها مؤسسة لها آليات وضمانات حقيقية ؟.
    إن تناول موضوع "حصانة المحامي كآلية من آليات المحاكمة العادلة"، يفترض الرجوع إلى قانون المحاماة المؤرخ في 15 مارس 1958 الذي وضع لأول مرة بالفصل 41 طريقة تتبع المحامي جزائيا إذا ما أخل عند مباشرته لمهنته بنظام الجلسات القضائية كما نص نفس القانون على جملة من الضمانات الإجرائية عند تتبعه جزائيا.
    ويبقى البحث في مسالة الحصانة مطروحا بأكثر حدة وجدية من خلال قانون 7 سبتمبر1989، وخاصة الفصلين 45و46 منه، أمرا بديهيا باعتباره القانون الذي يعكس الوضعية التشريعية الحالية للموضوع.
    تهدف دراسة هذا الموضوع على المستوى النظري الى البحث في مكانة الدور الذي يلعبه الدفاع في توفير شروط المحاكمة العادلة. الدور لا يمكن ان يكتمل دون ما لم يتمتع المحامون بالضمانات اللازمة لممارسة دورهم بكامل الاستقلالية والحرية.
    كما ان دراسة الموضوع تفضي حتما الى تقييم درجة الحصانة المفترضة التي يوفرها القانون التونسي للمحامي ومن ثم تبين محدودية الضمانات الممنوحة للمحامي التونسي بمناسبة أداء دوره في الدفاع وعلى المستوى العملي فان حصانة المحامي كشرط للمحاكمة العادلة يمثل مطلبا أكيدا لأغلب المحامين في تونس ولمختلف هياكل المهنة المستقلة، مما يجعل تدعيم درجتها غاية يسعى الى تحقيقها اغلب هؤلاء .
    وعليه، هل يمكننا الحديث عن حصانة للمحامي في القانون التونسي باعتبارها مؤسسة قانونية ثابتة تسمح بتدعيم آليات المحاكمة العادلة؟
    ان الاجابة عن هذه الاشكاليات يدفعنا بداهة لتحليل مجموعة الضمانات الممنوحة للمحامي على مستوى التشريع التونسي والتي لا ترتقي الى درجة الحصانة وهذا هو العنوان الرئيسي للجزء الأول من بحثنا.
    الجزء الأول: مجموعة ضمانات لا ترتقي الى درجة الحصانة
    إن البحث في طبيعة الحصانة التي يتمتع بها لمحامي في القانون التونسي تفضي إلى القول بنسبيتها وهشاشتها الكبيرة (الفصل الأول)، كما أن التمتع بهذه الحصانة ورد مشروطا في الفصل 46 من قانون المحاماة لسنة1989 (الفصل الثاني).
    الفصل الأول: ضمانات هشة:
    تظهر هشاشة حصانة المحامي في عدة جوانب تشريعية وعملية، ويمكن حوصلتها فيما يتعلق بإجراءات تتبع المحامي (الفقرة الأولى) أو من خلال محدودية الحماية التي يتمتع بها المحامي في خصوص مكتبه وحياته الخاصة. (الفقرة الثانية)
    الفقرة الأولى:على مستوى إجراءات تتبع المحامي:
    لقد نص الفصل 45 من قانون المحاماة المؤرخ في 7 سبتمبر 1989 إلى جملة من الإجراءات الواجب إتباعها ضد المحامي الذي يرتكب جنحة أو جناية. ويستوجب تحليل الفصل 45 التعرض إلى مسألتي السلطات المختصة بصلاحية التتبع الجزائي ضد المحامي –أ- ومسالة إعلام رئيس الفرع الجهوي للمحامين وتمكينه من الحضـــور خلال استنطاق المحامي أو تفتيش مكتبه -ب-
    أ‌- السلطات القضائية المختصة بالتتبع الجزائي للمحامي.
    لقد اقتضى الفصل 45 من القانون الحالي لمهنة المحاماة أن" المحامي المباشر المتهم بارتكاب جناية أو جنحة أثناء القيام بأعمال مهنته أو بمناسبتها يحال وجوبا من طرف الوكيل العام على قاضي التحقيق".
    وبذلك نتبين أن المشرع التونسي قد أفرد الوكيل العام بصلاحية إثارة الدعوى العمومية ضد المحامي وطلب إحالته على قاضي التحقيق، الأمر الذي ينجر عنه بصورة مبدئية بطلان التتبع إذا ما كانت إثارته قد تمت من قبل أية سلطة أخرى ، وذلك استنادا على الفصل 199 م.ا.ج والذي يقضي ببطلان كل الأعمال والأحكام المنافية للنصوص المتعلقة بالنظام العام أو قواعد الإجراءات الأساسية أو الماسة بمصلحة المتهم الشرعية.
    وقد تطرح مسالة الاختصاص الترابي بالنسبة للوكيل العام المختص بإثارة الدعوى العمومية ضد المحامي. في هذا الإطار يذهب البعض إلى إمكانية الرجوع إلى الفصل 27 من مجلة الإجراءات الجزائية الذي يقتضي انه"يتعهد بالتتبعات وكيل الجمهورية المنتصب بالمكان الذي ارتكبت فيه الجريمة أو بالمكان الذي به مقر المضنون فيه أو بالمكان الذي به محل إقامته الأخير، أو المكان الذي عثر فيه عليه".
    في رأينا أن هذا الحل القانوني غير مناسب لمسألة الاختصاص الترابي بالنسبة للتتبع المحامي لأنه بالرجوع إلى الفصل 45 نرى أن من شروط التتبع في هذا الإطار أن يكون من أجل جناية أو جنحة ارتكبت "أثناء القيام أعمال مهنته أو بمناسبتها"، وبالتالي فالوكيل العام المختص هو الذي تم الفعل بدائرة محكمة الاستئناف التي يعمل بها. وفي صورة تتبع المحامي، يتولى الوكيل العام إحالة المحامي على قاضي التحقيق بموجب قرار في فتح البحث.
    وقد خص المشرع حاكم التحقيق باختصاص استنطاق المحامي محل التتبع دون غيره، أي أنه أقصى مأموري الضابطة العدلية من الاضطلاع بهذا الدور وهو أمر بديهي في رأينا. غير أن"الإضافة: التي جاء بها الفصل 45 هي وجوب التحقيق مع المحامي حتى في صورة الجنحة المرتكبة من المحامي وذلك خلافا للمبدأ العام في مادة الإجراءات الجزائية الذي يجعل من التحقيق مسألة إختيارية في مادة الجنح.
    ويتولى حاكم التحقيق القيام بجميع الأعمال التي يتطلبها عمله من استنطاق وتفتيش وحجز وإصدار البطاقات اللازمة وغيرها. غير أن هذا المبدأ يعرف استثناء جاءت به الفقرة 4 من الفصل 46 من قانون المهنة التي نصت على انه في صورة التلبس يقوم مأمورو العدلية كل الإجراءات، أي البحث والحجز...في حين أن هذه الفقرة قد تركت مسألة الاستنطاق من ضمن اختصاص القاضي المتعهد بالموضوع.
    الفقرة الثانية :على مستوى حماية مكتب المحامي :
    تمثل استباحة مكتب المحامي إشكالية كبرى يعاني منها المحامون في تونس أمام ضعف ومحدودية الضمانات القانونية والواقعية لمكتب المحامي ووثائقه ومراسلاته واتصالاته.
    فإذا عدنا إلى التشريع فإننا لا نجد إلا ضمانة شكلية محدودة إلى حد بعيد تتمثل فيما نص عليه الفصل 45 من قانون 1989 في فقرته الثانية من انه"لا يجوز تفتيش مكتب محام بدون حضور القاضي المختص قانونا".
    وتفضي قراءة هذا الفصل إلى القول بان حاكم التحقيق هو المختص الوحيد قانونا بالقيام بأعمال تفتيش المكتب دون أن يحق له إنابة مأموري الضابطة العدلية لتعويضه في القيام بهذا الدور.
    وتبقى أهم إشكالية مطروحة في هذا الإطار تتعلق بمسالة استقلالية القضاء وقدرته على القيام بهذا الدور بكل مسؤولية وحياد. إن إثارة هذه الإشكالية لا تنبع من فراغ بل من واقع التتبعات المثارة ضد المحامين في تونس خاصة إذا كانت القضية ذات طبيعة سياسية.
    ومن جهة أخرى فان المشرع التونسي لم يتعرض إلى مسالة الحجز بمكتب المحامي مما يجعل الأمر خاضعا إلى الفصل العام في مادة الإجراءات الجزائية والذي ينص على انه"على حاكم التحقيق أن يبحث عن الأوراق والأشياء التي من شانها الإعانة على كشف الحقيقة وان يحجزها".
    وهذا السكوت لا يمكن أن يقرا إلا على اعتباره غيابا لأي شكل من أشكال الضمانات الممنوحة للمحامي في هذا الإطار. سواء فيما يتعلق بحضور العميد أو رئيس الفرع الجهوي أو كذلك غياب أي استثناء لبعض الوثائق الخاصة أو ذات الطابع السري. فالمشرع التونسي لم يستثني، خلافا لبعض القوانين المقارنة، حتى المراسلات المتعلقة ببعض القضايا التي ينوب فيها المحامي محل التتبع أو المرسلة إليه من زملاءه أو من حرفاءه.فهذه المراسلات تبقى خاضعة إلى الفصل 99 من م.ا.ج الذي ينص على انه"لحاكم التحقيق أن يأذن بحجز كل ما كان من قبيل المراسلات وغيرها من الأشياء المبعوث بها إن رأى في ذلك فائدة لكشف الحقيق" .
    الفصل الثاني: ضمانات مشروطة :
    تنص الفقرة الاولى من الفصل 46 من قانون 1989 على انه "لا تترتب عن المرافعات الواقعة امام المحاكم والكتابات المقدمة اليها اية دعوى من اجل الثلب او الشتم او القذف او النميمة كما وقع تعريفها بكل من مجلة الصحافة والمجلة الجنائية الا اذا ثبت سوء النية ".
    ان القراءة المعاكسة لهذه الفقرة تفضي بالقول الى حصانة المحامي أمام المحاكم بمناسبة مرافعاته وتقاريره لا تتوفر الا متى كان حسن النية. وحسن النية يبقى من أكثر المفاهيم اثارة للجدل باعتباره مفهوما غير محدد وقابل لأكثر من تأويل بل يمكن يتباين تفسيره بين شخص وآخر بصورة كبيرة.
    لذلك لا بد من محاولة تحديد هذا المفهوم (الفقرة الاولى)، ثم البحث في مسالة تتبع المحامي متى ثبت سوء نيته في مرافعة او تقرير مقدم الى المحكمة. (الفقرة الثانية)
    الفقرة الأولى: مفهوم حسن النية الوارد بالفصل 46
    يمثل سوء النية استثناء لمبدأ عدم مؤاخذة المحامي و المشرع لم يوضح متى يكون المحامي سيء النية في مرافعاته او في تقاريره . و يكون بذلك قد ترك المجال لمطلق اجتهاد القاضي فهو الذي يستشف سوء النية و يرتب الحدّ من الحصانة و يجعل من المحامي محل مؤاخذة إذا كانت مرافعاته أو كتاباته تتم عن سوء نية.
    إذن فان القاضي هو الذي يعطي لمبدأ عدم مؤاخذة المحامي الجدوى في تفعيل المحاكمة العادلة لذلك تدخل حصانة المحامي و استقلال القضاء في علاقة جدلية لا يمكن لإحداهما أن تتحقق بدون أخرى.
    وتجدر الاشارة في البداية إلى أن هناك واجب الاحترام تجاه المحاكم محمولا على المحامي و يعتبر اليمين التي يؤديها قبل مباشرته خير دليل على ذلك ، كما جاء بالفصل الخامس من قانون تنظيم مهنة المحاماة لسنة 1989 " اقسم بالله العظيم أن أقوم بأعمالي في مهنة المحاماة بأمانة و شرف و أن أحافظ على سرّ المهنة و أن أحترم القوانين و أن لا أتحدى الواجب المحاكم و للسلطة العمومية " .
    غير أن عمومية عبارات هذا الفصل لا تسمح بإعطاء مدلول واضح لواجب حسن النية المحمول على المحامي، خاصة في غياب فقه قضاء مستقر وواضح.
    ومن خلال الحكم الجناحي الابتدائي عدد 51906 المؤرخ في 03 ماي 2005 الصادر المحكمة الابتدائية بقرمبالة المتعلق بتتبع الاستاذ فوزي بن مراد ، فان المحكمة ادانت المحامي المذكور من اجل تهمة انتهاك حرمة موظف بالقول والتهديد بالجلسة من النظام العدلي طبق الفصلين 125 و126 من المجلة الجنائية والفصل 46 من قانون المحاماة، بناء على توجهه الى رئيس المحكمة بالعبارات التالية:"اسكت انت، وقت يتكلم لسان الدفاع حتى حد ما يقاطعو". ويمن ان نستخلص ان غياب مفهوم واضح ودقيق لمفهوم سوء النية يشكل تهديدا كبيرا لحرية المحامي وحصانته بمناسبة أداءه لرسالته.
    الفقرة الثانية: تتبع المحامي سيء النية
    على الرغم من الجدل الواسع الذي أثاره الفصل 46 من قانون المهنة في الجانب المتعلق بالاستثناء الوارد بمناسبته اذا ثبت أن المحامي سيء النية وعلى الرغم كذلك من جميع النداءات التي تتالت من مختلف هياكل مهنة المحاماة والداعية لتنقيحه في اتجاه يحفظ للمهنة حرمتها ويوفر للمحامين ضمانات حقيقية فان السلطة التنفيذية لم تستجب لذلك ولم تقدم على تنقيح هذا الفصل الذي بقي سيفا مسلطا على رؤوس المحامين ولئن أظهرت التجربة \أنه لم يتم استعمال هذا الفصل الا مرة واحدة منذ تنقيخ 1989 فان خطورته تبقى قائمة كما أنه يجعل من التشريع الونسي المنظم لمهنة المحاماة حالة استثنائية أمام تشاريع عديد الدول الغربية وحتى العربية حقيقة أن تتبع المحامي لا يمكن أن يكون على أساس النوايا بل الافعال.
    الجزء الثاني: ضمانات لا تتوفر على شروط المحاكمة العادلة
    لقد جاء هذا المبدأ بالفصل 46 من قانون تنظيم مهنة المحاماة له 1989 الذي اقتضى أنه : لا تترتب عن المرافعات الواقعة أمام المحاكم و الكتابات المقدمة إليه أية دعوى من أجلا لسب أو الشتم أو القذف أو النميمة كما وقع تعرفها بكل من مجلة الصحافة و المجلة الجنائية إلاّ إذا ثبت سوء النية .
    الفقرة الأولى: حدود متأتية من صياعة النص ذاته :
    الاستثناء لمبدأ عدم مؤاخذة المحامي هو سوء النية و المشرع لم يوضح كيف و متى يحدث سوء النية . و يكون بذلك قد ترك المجال لاجتهاد المطلق للقاضي فهو الذي يستشف سوء النية و يرتب الحدّ من الحصانة و يجعل من المحامي محل مؤاخذة إذا كانت مرافعاته أو كتاباته تتم عن سوء نية إذن القاضي هو الذي يعطي لمبدأ عدم المؤاخذة المحامي الجدوى في تفعيل المحاكمة العادلة لذلك تدخل حصانة المحامي و استقلال القضاء في علاقة جدلية لا يمكن لإحداهما أن تتحقق بدون أخرى. نشر في البداية إلى أن هناك واجب الاحترام تجاه المحاكم محمولا على المحامي و يعتبر اليمين التي يؤديها قبل مباشرته خير دليل على ذلك ، كما جاء بالفصل الخامس من قانون تنظيم مهنة المحاماة لسنة 1989 " اقسم بالله العظيم أن أقوم بأعمالي في مهنة المحاماة بأمانة و شرف و أن أحافظ على سرّ المهنة و أن أحترم القوانين و أن لا أتحدى الواجب المحاكم و للسلطة العمومية " .
    و يتجه الفقه في أن على المحامي أن يمتنع بشكل صارم عن أي عمل يمكن أن ينال من استقلال القضاء … كما لا يجب أن تكون العلاقة بين القضاة و المحامين عرضة "لإساءة الدفاع " إذن ما هي حدود حصانة المحامي خاصة و أن النية هي حالة كامنة في النفس لا يمكن لأي كان أن يستقرئها إلاّ من خلال تجسيداتها الخارجية و المادية فالاستثناء لمبدأ الحصانة هو استثناء هام و المشرع أو كل تفسيره للقاضي لذلك ارتأينا البحث عن مفهوم سوء النية في
    القوانين الأخرى علنا نهتدي إلى مفهوم يمكن من خلاله جعل لهذا الاستثناء مواصفات موضوعية .
    سوء النية في القانون المدني هو التغرير أي إخفاء عيوب الشيء حتى يظهر للغير بالصفة الغير حقيقية أي الخزعبلات التي توقع الغير في الغلط .
    سوء النية في القانون الجنائي : هو القصد الجنائي أي القيام بعمل أو عدم القيام به مع المعرفة أن ذلك الفعل مجرم و معاقب عليه بنص سابق الوضع .






    منتدى القانون والقضاء
    مع تجيات منتديات تونيزيا كافيه
    مكتبة الشؤون القنونية التونسية

    http://www.tunisia-cafe.com/vb/index.php




    الدرامة التركية Drame turc

  2. #2

    حصانة المحامي كآلية من آليات المحاكمة العادلة








    حصانة المحامي كآلية من آليات المحاكمة العادلة



    بقلم الأستاذة ربيعة الغزواني

    ما لمراد بسوء النية في الفصل 46 " يشهد مبدأ الحصانة تراجعا هاما مما يمس بمبدأ استقلالية المحامي و حرية حق الدفاع و ذلك إذا تعسف المحامي في ممارسة مهنته و كان ذلك عن قصد "
    هل سوء النية هو تعسف في استعمال الحق متى يتعسف المحامي في استعمال الحق .
    لم يذكر قانون سنة 1989 المنظم لمهنة المحاماة هذه الحالة .
    التعسف في استعمال الحق ينظمه الفصل 103 من م ا ع الذي يقتضي " أن من فعل ما يقتضيه حقه بدون قصد الإضرار بالغير فلا عهدة مالية عليه ."
    هل يجيب هذا الفصل عن مفهوم سوء النية و هو قصد الإضرار . و لكن هنا قصد الإضرار يستشف من وقوع الضرر فالنص القانون أي الفصل 103 لا يحمل مسؤولية إلاّ لمن أضر الغير و كان له قصد الإضرار أي أن وقوع المضرة وحدها بدون قصد الإضرار لا يكفي لقيام مسؤولية الفاعل .
    إذن نظرية التعسف في استعمال الحق لا تتماشى و مفهوم الفصل 46 من قانون مهنة المحاماة الذي يكتفي بحصول سوء النية ليلغي الحصانة الذي يتمتع بها .
    فالفصل 46 من قانون تنظيم مهنة المحاماة نظم حالتين من حالات عدم احترام المحاكم يمثل الحالة الأولى في ارتكاب الجريمة أمام هيئة المحكمة . و تمثل الحالة الثانية في استهداف الجريمة هيئة المحكمة و ينظم الحالة الثانية الفصل 126 من المجلة الجنائية الذي يقتضي " إذا كان انتهاك الحرمة واقعا بالجلسة لموظف من النظام العدلي فالعقاب يكون بالسجن مدة عامين و يكون العقاب بالإعدام إذا وقع الاعتداء بالعنف باستعمال السلاح أو التهديد به ضد قاض بالجلسة "و بالتالي فإن قانون تنظيم مهنة المحاماة لسنة 1989 لم ينظم الجرائم بل أحالها على المجلة الجنائية. و مجلة الصحافة و نصوص أخرى متفرقة و يكون من الأسلم لو يحصر المشرع صراحة قائمة الجرائم التي قد يرتكبها المحامي في إطار مباشرته لمهنة المحاماة حتى تكون إدانته قائمة على نص قانوني جزائي صريح اعتبارا و أنه لا يجوز التوسع و لا القياس في النصوص الجزائية و يمكن ذكر قرار حديث عن محكمة التعقيب أيدت فيه المحكمة ما جاء بالحكم الابتدائي والاستئنافي و رفضت مطلب التعقيب أصلا بعد قبوله شكلا و قد جاء بإحدى حيثيات الحكم الابتدائي القاضي بالإدانة طبق الفصلين 125 و 126 من المجلة الجنائية و الصادر في 17/06/1999 ما يلي " فإن نية المتهم كانت منصرفة أساسا إلى انتهاك حرمة القضاة الجالسين مثلما تؤيده العبارات الصادرة عنه و هيجانه بالجلسة و رفضه الرجوع للمكان المخصص للمحامين عند الترافع و شهادة الشهود و توجهه لرئيس الجلسة بعبارة "أنت ديمة هكاكة معايا " ، يؤكد تعمده انتهاك حرمة القاضي المذكور إذ أن العبارات السالف ذكرها قد وجهت لشخص هذا الأخير و عن قصد لإحراجه و تقليل الاحترام الواجب له خاصة و أن التهجم تم بجلسة علنية و على مرأى و مسمع من جميع الحاضرين …"
    كما أكدت محكمة التعقيب التونسية على وجوب توفر الأركان القانونية لجريمة هضم جانب موظف من النظام العدلي ، و جاء في إحدى حيثيات القرار ما يلي :
    أن جريمة الفصل 126 من المجلة الجنائية لا تقوم و تستقيم إلاّ بتوفر أركانها الثلاثة و التي من ضمنها أن يكون هضم الجانب بالقول أو الإشارة أو التهديد مقصودا من الجاني و موجها في نفس الوقت إلى الموظف بنية الإساءة إليه أو النيل من اعتباره وجاهة ".
    و قد أيدت محكمة الاستئناف الحكم الابتدائي المذكور بتاريخ 29 جوان 2000 و اعتبرت و أن المتهم قد " بادر بالاستهزاء بالحكم التحضيري السابق كما استعمل لهجة هستيرية جاء في مخاطبة المحكمة و خروجه من المكان المخصص للمحامين متقدما نحو منبر المحكمة ملوحا للمحكمة بإشارات بيديه ، كل هذا لا يمكن أن يعتبر مرافعة قانونية تتسم باحترام آداب المهنة وإجراءات التقاضي.
    إذن الحالات التي يؤاخذ فيها المحامي حسب فقه القضاء هي طبق الفصول 125 و 126 من المجلة الجنائية و الذين يتعلقان بالانهاك حرمة موظف عمومي بالقول أو بالاشارة او التهديدو هي تعني الأشخاص و الأفراد من الناس بينما المحامي لا يمكن أن يعامل كفرد من عموم الناس ضرورة أن الضمانات القانونية التي توفر لحقوق الدفاع و تتجاوز القانون المنظم لمهنة المحاماة إذ نجدها في الدستور التونسي و هو أعلى نص في المنظومة القانونية و تحديدا فصل 12 إذن لم نعثر على قرار يؤاخذ محامي طبق الفصل 46 من قانون المهنة صراحة و هو الذي استثنى مبدأ الحصانة بسوء النية حسب اعتقادنا يؤدي هذا الاستثناء إلى سحب الحصانة متى أراد القاضي ذلك و بالتالي فإن تحقيق المحاكمة العادلة هو رهين توفر ظروف ملائمة و مناخ ديمقراطي حتى ترقى حصانة المحامي إلى أن تصبح آلية من آليات المحاكمة العادلة إلاّ عندما يكون هنالك احترام للمؤسسات الدستورية و إطلاق حرية التعبير بالنسبة لفقه القضاء الفرنسي فهو يحرم الأفعال التي يقوم بها المحامي و المتمثلة في عبارات و مواقف تكون سلوكا متناف و واجبات المحامي المضمنة باليمين التي يؤديها . و يعرف الفقه الفرنسي المؤسسة القضائية بمحملها على أنها une valeur de civilisation qui postule une demarche particuliere de la part de ceux qui la rendent et de leurs partenaires "
    و يكون من الأسلم لو يحصر المشرع صراحة حالات سحب الحصانة حتى يكون هذه الحالات تقوم على إدانة واضحة بمقتضى نص قانوني جزائي صريح لا يجوز التوسع فيه و لا القياس عليه باعتبار أن النصوص الجزائية تخضع إلى تأويل ضيق و لا يمكن التوسع في تأويلها غير أنه جاء نص الفصل 46 من القانون المنظم لمهنة المحاماة نصا يحد من حصانة المحامي بصيغته المبهمة و التي جعلت حدّا لها استثناء يمكن تأويله حسب المناخ السياسي و ملاءمته لمحاكمة عادلة أم لا و بالتالي تصبح المحاماة و دورها الريادي في لدفاع عن حقوق لأفراد كحرية التعبير وحرية الرأي و كل ما تستلزمه مستحقات.
    الفقرة الثانية : حدود متأتية من تأويل النص القانوني المبهم و المنظم لحصانة المحامي :
    حسب اعتقادنا إذ أريد أن يكون النص المنظم لحصانة المحامي مبهما فذلك يعبر عن رسالة واضحة تتمثل في جعل هذه الحصانة رهينة المناخ السياسي و مكانة القضاء متقاطعة مع المعايير الأخرى السابق بيانها لانجاز المحاكمة العادلة ومنها احترام المؤسسات الدستورية ، و التفريق بين السلط ، و استقلالية القضاء …
    فلنرى كيف فك القاضي إبهام النص الذي ينظم حصانة المحامي : يقضي الفصل 46 من قانون7 سبتمبر لسنة 1989 أنه لا تترتب عن المرافعات الواقعة أمام المحاكم و الكتابات المقدمة إليها أية دعوى من أجل السب أو الشتم أو القذف أو النميمة كما وقع تعريفها بكل من مجلة الصحافة و المجلة الجنائية إلاّ إذا ثبت سوء النية .
    * تعريف الجنح الثلاثة المذكورة بمجلة الصحافة و المجلة الجنائية :
    عرف الفصل 53 من مجلة الصحافة السب بكونه "كل إدعاء أو نسبة شيء بصورة علنية من شأنه أن ينال من شرف أو اعتبار شخص أو هيئة رسمية " و نظم على ذلك عقوبات جسدية ومادية.
    عرف الفصل 54 جريمة الشتم بكنه "يعتبر شتما كل عبارة تنال من الكرامة أو لفظ احتقار تتضمن نسبة شيء معين " و نظم على ذلك عقوبات مادية و جسدية و يعتبر ركن العلانية أساسا لقيام جريمة الشتم و الثلب هو الإشهار بمكان عمومي ، و لقد حدد الفصل 46 من قانون تنظيم المحاماة المحاكم باعتبارها المكان الطبيعي الذي يمارس فيه المحامي مهنته بصفة مباشرة ، إضافة إلى أنه يتولى فيه المرافعة و تقديم التقارير و بذلك يكون قد اعتبر قاعة الجلسات مكانا عموميا بالتخصيص .
    و قد اعتبرت محكمة النقض المصرية في قرارها الصادر في 15 فيفري 1931 قاعة الجلسة في الوقت المحدد لانعقاد الجلسات تعتبر من المحلات العمومية بالتخصيص ، و الجهر بالقول أو الصياح في ذلك الوقت يوفر ركن العلانية كما عرف الفصل 58 من قانون الصحافة جريمة الثلث بأنه " كل نقل لأمر منسوب و ثبت قضائيا أنه من قبيل الثلب يعتبر صادرا عن سوء نية ما لم يقعالإدلاء بما يثبت خلاف ذلك " و هنا فسر المشرع مفهوم سوء النية التي يتكون من قرينة قابلة للدحض بالنسبة لفقه القضاء التونسي، هنالك قرار مؤرخ في 10 أكتوبر 1964 عدد 1658 يعتبر أنه ليس من الضروري لقيام جريمة الثلب أن يكون المعتدي عليه معينا باسم و إنما يكفي أن تكون عبارات الثلب موجهة بصورة يسهل معها فهم الشخص المقصود منها ، و عدم مراعاة الإجراءات التي جاء بها الفصل 41 من قانون تنظيم مهنة المحاماة لا يوجب بطلان التتبعات الجزائية ضد المحامي لارتكاب جريمة بمناسبة تأديته لواجب مهنته فتحي شلبي : القذف و الثلب و الشتم في القانون الجنائي و قانون الصحافة ، و مجلة القضاء و التشريع عدد 7جويلية 1985 ص 24 و 28 و 30 إلى 45 بتصرف . فعندما تكون صياغة النص المنظم للحصانة على النحو التالي لا تترتب عن المرافعات الواقعة أمام المحاكم و الكتابات المقدمة إليها أية دعوى من أجل السب أو الشتم أو القذف أو النميمة كما وقع تعريفها بكل من مجلة الصحافة و المجلة الجنائية إلاّ إذا ثبت سوء النية لم يحدد فقه القضاء مفهوم لسوء النية و بذلك يمكن الكيل بمكيالين فهنا يعتبر ذاك المحامي عن سوء نية و هناك يعتبر عن حسن نية و يصبح التحديد inconcreto أي حسب مقاييس لا تخضع للموضوعية فما يعتبره قاض حادث عن سوء نية ليس كذلك لقاض آخر و ما يطبق على محام لا يطبق على محام آخر و بالتالي تسحب الحصانة عندما يراد إلغاء حقوق الدفاع و تسلط تتبعات جزائية عليهم و تبقى الحصانة عندما لا تشكل أي إزعاج للسلطة السياسية لذلك غالبا ما يكون المحامي في قضايا الرأي و الحريات مهددا بالتتابعات فلا يمكن له أن يتمسك بالحصانة المنظمة بالفصل 46 لأن سحبها ممكن و سهل أن يتهم بأن مرافعته كانت عن سوء النية باعتبار أن سوء النية إشارة مانعة للحق الممنوح و المتمثل في الحصانة . فمحمول على القاضي بحكم اليمين الذي يؤديها قبل تنصيبه في وظيفته و هي التالية:
    "اقسم بالله العظيم أن أقوم بوظائفي بكل حياد و نزاهة و أن التزم بعدم إفشاء سرّ المفاوضات أثناء تولي القضاء وبعده و أن يكون سلوكي سلوك القاضي الأمين الشريف "
    إن يؤول النص الغامض تأويل القاضي الأمين الشريف ضمانة في ان لا يفرغ محتوى الحق الممنوح بتأويل غير حيادي أو غير نزيه . فالقاضي هو الذي ينجز المحاكمة العادلة و هو الذي كذلك لا ينجزها عندما يصادر حقوق الدفاع و هو الذي اقسم على شرف الحياد و النزاهة و عدم خيانة الأمانة و عدم افشاء سر المفاوضات إن المشرع بمفرده لا يصنع تاريخا و لا يقيم عدلا فالأمر موكول لكل من يتداول أطراف الحياة الاجتماعية و السياسية كالفقهاء و القضاة و المحامون … كل له دور في تفعيل آليات العدالة الاجتماعية و السياسية .
    و رغم أنه يجدر بالنص التشريعي أن يكون واضحا فيما يتعلق بالحقوق الجوهرية فأننا يمكن أن لا نخشى من تأويل نص مبهم أو غير واضح عندما تكون هناك حركة فقهية و كتابات كثيرة تنبه و تقود القضاة و المحامون في عملهم اليومي .
    كما يمكن أن لا نخشى من تأويل نص غامض عندما نكون متأكدين أن القاضي محايد و نزيه و أمين و شريف و عندما يكون المحامي يحترم القانون في إطار حق الدفاع و استقلاليته فلا يمكن للمشرع بمفرده ان يقودنا نحو الحرية و العدالة بدون تناغم كل المؤسسات و وعيها بهدفها في المساعدة على إقامة العدل . نضرب مثلا بالقضاء الإداري هذا القضاء الذي أسس فقهه على تدعيم حماية حقوق الأفراد و يكرس مفهوم المواطنة و يقوم برسالة حضارية حقا في حماية حق الفرد ضد تجاوز السلطات .
    فلو شهد القضاء العدلي هذه الحركية و هذا الاجتهاد الخلاق لأصبح الفصل 46 رغم نقائصه ،فصلا ينظم بحق حصانة المحامي بصورة واقعية باستثناء حالات يحددها فقه القضاء عندئذ و تصبح معلومة عند الجميع و غير قابلة لتأويل يمس من مبدإ الحصانة ذاته و مؤسسة للدفاع .
    إن أي مشرع في أي بلد لإن كان محمولا عليه مراعات الحقوق الجوهرية عند صياغة القانون ، ليس محمولا عليه تحديد الحقوق و الحريات بكامل الدقة و إن يكون متيقظا لحالات ضياع هذه الحقوق لأن ذلك محمول على بقية السلط و مدى إرادتها في إنجاز المشروع الديمقراطي .
    الفقرة الثالثة: الحدّ من حصانة المحامي و قانون مكافحة الإرهاب :
    لقد أقر القانون عدد 75 لسنة 2003 المؤرخ في سنة 2003 لمكافحة الإرهاب بما يتنافى و مبدأ حصانة المحامي و إنجاز المحاكمة العادلة بإعتبارها حق أساسي أقره الدستور ضمن الفصل 12 من الدستور التونسي في فصله الثاني عشر فقرة ثانية " بأن كل متهم يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته في محاكمة تكفل فيها الضمانات الضرورية للدفاع عن نفسه.
    أ/ : الدستور و قانون مكافحة الإرهاب: علاقة تناقض .
    ضمن الدستور مبدأ المساواة أمام القانون و ذلك بافتراض قرينة البراءة في حق كل متهم إلى أن تثبت إدانته في محاكمة تكفل فيها الإجراءات الضرورية للدفاع عن نفسه إذن تتمثل غير أن هذا القانون في استبعاده للاجراءات المضمنة بمجلة الاجراءات الجزائية و التي فيها ضمان للمتهم و لحق الدفاع عن نفسه في محاكمة عادلة .
    ب/ في ما يتعلق بحق الدفاع و الحقوق الأساسية للمتهم :
    بمقتضى الفصل 54 الذي نص على انه يعاقب بالسجن من …. و بخطية كل من أفصح عمدا عن أي معطيات من شأنها الكشف عنهم لغاية إلحاق الإذى بهم و الإضرار بمكاسبهم ، هذا العقاب يشمل المحامي بصفته يطلع على الملف حتى يتمكن من الالمام بالمعطيات و بالتالي الدفاع عن منوبه و نفهم من هذا أن النيابة في الجرائم الإرهابية هي مخاطرة في حدّ ذاتها وبالتالي نخرج عن إطار مبدأ حصانة المحامي و استقلاليته .
    هنا المحامي يدخل تحت طائلة عقوبة الفصل 54 و هي عقوبة قاسية خاصة و أن قانون مكافحة الإرهاب قد استبعد القواعد الإجرائية العادية و من ضمنها قواعد الاثبات ‏ هذا و قد سن الفصل 22 : واجب اشعار فوري للسلط العمومية لا يستثني منه من كان خاضعا للسر المهني مثل المحامي . التخلي عن هذا الواجب يعاقب عليه بعقوية بالسجن من عام إلى خمسة أعوام و بخطية من ألف إلى خمسة آلاف دينار .و هو ما يمثل تناقضا صارخا و تقاليد المهنة بحيث يصبح المحامي مخبرا و تعتبر حالة من حالات الإفشاء الوجوبي للسر المهني التي لا يخضع لها المحامي.
    ج/ في ما يتعلق بحياد القاضي و استقلاليته :
    غير قانون مكافحة الارهاب قواعد الاختصاص الترابي بالنسبة لإثارة الدعوى العمومية إذ جعل لوكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس اختصاص مطلق (الفصل 34 و جعل من وكلاء الجمهورية المتواجدين في دوائر قضاء أخرى عبر ولايات الجمهورية لا يقومون إلاّ بالابحاث الأولية و المتأكدة على أن يضعوا المتهم و تقاريرهم و المحجوز على ذمة وكيل الجمهورية بتونس) .
    كما يتمتع مأمورو الضابطة العدلية المؤهلون لمعاينة الجرائم الارهابية التابعون لدائرة المحكمة الابتدائية بتونس بصلاحية مباشرة وظائفهم بكامل تراب الجمهورية دون التقيد بقواعد الاختصاص الترابي (الفصل 132) بحيث يخلق هذا القانون نوعا من الملاحقة المتهم بالارهاب و تجميع المعلومات عند السلطة المركزية القائمة بالتتبع خاصة و أن قرينة الإدانة هي التي تفترض عند إثارة النبع في الجريمة الارهابية إذن لقد فقدت الضمانات القانونية التاي تكفل عدم المساس بالحرمة الجسدية و بالحقوق الأساسية للمظنون فيه .
    *1/في ما يتعلق بالمحاكمة :
    فقد أقر قانون 10 ديسمبر 2003 اختصاص مطلق للمحكمة الابتدائية بتونس للنظر في الجرائم الارهابية . "مما يجعلنا أمام محاكم استثنائية بحكم الواقع خاصة و أن هذا التخصيص قد رافقته قواعد إجرائية خاصة قد تجعل من المبرر القول بإن هذا الإجراء يعد خرقا لا حد المبادئ القانونية الهامة و هو المساواة أمام القانون "
    هنا القضاة هم قضاة معينون للنظر في هذه الجريمة فهل سيحافظون على الحياد و الإنصاف و هل سيكفلون الضمانات الضرورية للمظنون فيه للدفاع عن نفسه و هو الذي يعتبر مدانا إلى تثبت براءته كيف ذلك و قد حذفت كل الضمانات التي توفرها نصوص محله الاجراءات الجزائية .
    2/ جريمة مكافحة الإرهاب و المحاكمة العادلة :
    لا يمكن استبعاد المحاكمة العادلة لمكافحة الارهاب ذلك لاعتقادنا بأن المضنون فيه يجب أن يمكن من كل حقوقه الأساسية و منها حقه في محاكمة عادلة .
    فالجريمة الارهابية تجعل كل مؤسسات المجتمع في خطر لذلك يجب القضاء على جذور الارهاب و أسبابه و ليس على تمظهراته كل جريمة في حق الفرد أو المجتمع يجب أن تدان في إطار محاكمة عادلة تتوفر حصانة حقيقة للدفاع لأن خلاف ذلك يمس من مؤسسة الاستقلالية القضاء و الحقوق الأساسية التي ضمنها الدستور و من ضمنها الحق المقدس للإنسان في الدفاع وفي ردّ التهمة المتعلق به سواء بنفسه أو بواسطة مؤسسة المحاماة التي لا يمكن لها القيام بواجبها إلاّ مع ما يكفي من الحصانة .
    إذا كان الفصل 46 قد أقر مبدأ حصانة المحامي و لكنه مستثنيا من هذه الحصانة المحامي السيء النية . هذا القانون اعتدى على مؤسسة الدفاع نفسها و ذلك بسن عقوبات تسلط على المحامي نفسه الذي بمناسبة اطلاعه على أوراق الملف أبلغ حريفه او ذكر بصفة علنية أسماء شهود أو مأمورى الظابط العدلية أو القضاة أو عائلاتهم .
    قد بينا في البداية أن المحامي ينوب ليصبح شريكا في القرار فهو يقدح في الشهود و يجرح في الحكام و يطعن ببطلان الإجراءات و شرعية التدابير . فقانون مكافحة الإرهاب لا يمكن المحامي من القدح في الشهود باعتبار أن ذكر أسمائهم (يعرضهم للخطر ) و يعاقب المحامي على فعل ذلك . و المحامي لا يجرح القضاة باعتبار أن هذا القانون يمنع ضمنيا فإن القضاة معينون بصفة خاصة للنظر في هذه القضايا أما الطعن ببطلان الاجراءات و شرعية التدابير فهو أمر مستحيل ذلك أن قانون مكافحة الارهاب استعد الاجراءات العادية التي تضمن حق الدفاع وحياد القاضي
    الخاتمة
    ان المتتبع لتاريخ ومسيرة المحاماة التونسية التي تجاوزت القرن منذ صدور الامر المنظم لمهنة الوكلاء في ماي 1885 ثم القانون المحدث لهيئة المحامين بتونس سنة 1887 يلاحظ دون عناء ا، مسيرة المحاماة التونسية ارتبطت بالنضالات المتواصلة لأصحاب الزي الأسود من أجل الحصول على الضمانات الواقعيو والقانونية التي تمكنهم من أداء واجبهم دون الخضوع لسلطان الخوف والترهيب الذي تلجأ اليه من حين لآخر السلطة
    السياسية لاسكاتهم، ولئن أقر القانون الحالي المنظم للمهنة أخيرا بأن المحاماة حرة مستقلة ورتب بعض الضمانات للمحامي أثناء أداء مهمته غير أن تلك الضمانات لم ترتق الى مرتبة الحصانة التي بقيت مطلبا ملحا تتناقله مختلف أجيال المحامين التونسيين التي ترنو إلى تحقيقه ولسان حالها يردد قول المتنبي :
    وما نيل المطالب بالتمني ولكن تأخذ الدنيا غلابـــا
    وما استعصى على قوم منال اذا الاقدام كان لهم ركابا


    منتدى القانون والقضاء
    مع تجيات منتديات تونيزيا كافيه
    مكتبة الشؤون القنونية التونسية

    http://www.tunisia-cafe.com/vb/index.php




    الدرامة التركية Drame turc

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190