قضية فوزي بن مراد: ورطة قانونية، أم إشكال سياسي؟
٭ تونس ـ «الشروق»:
أثارت القضية المرفوعة ضد الأستاذ فوزي بن مراد المحامي المعروف بقضية حلّ «التجمّع» والذي وكله وزير الداخلية السابق السيد فرحات الراجحي، جدلا كبيرا، بين من يعتقد بوجود الاشكال بين المحامي والشاكي وبين من يعتقد باستهداف الأستاذ بن مراد سياسيا.
«الشروق» تابعت القضية بدقة، واتصلنا بجهات مختلفة للحصول على وثائق القضية كما اتصلنا بالمحامي المعني بالأمر.
القضية انطلقت بعد أن كلّف أحد المواطنين الأستاذ فوزي بن مراد المحامي للنيابة عنه إثر ارتكابه حادث مرور. وقام المحامي بالاجراءات القانونية لدى المحكمة الابتدائية بقرنبالية التي قضت بإلزام شركة التأمين بالتعويض للمتضرر الشاكي بمبلغ 3 آلاف و500 دينار.
لذلك طعن المحامي في هذا الحكم بالاستئناف، وبالفعل تبنت محكمة الاستئناف دفوعاته فقضت بنقض الحكم الابتدائي والقضاء مجددا بإلزام شركة التأمين بأن تؤدّي لمنوّبه أي المتضرر مبلغا يتجاوز 17 ألف دينار وانطلق المحامي في اجراءات تنفيذ الحكم، ولذلك اتصل بالمعني بالأمر أي منوبه في مراسلة أولى ثم مراسلة ثانية مضمونة الوصول، ورد فيها على لسان المحامي: «وتولينا إعلامكم بالتنفيذ مقتضى رسالة. وقد اتصلت بنا فعلا بمكتبنا وسلمناك وصل في براءة الذمّة لامضائه حتى يتسنى لنا مدّك بالمبالغ الراجعة لك من الحكم واتفقنا على أن يكون يوم الجمعة 14 أكتوبر 2005 موعدا إلا أنك لم تتصل مرّة ثانية».
ونبّه المحامي على حريفه أنه سيضطر إلى تسعير أجرته وتأمين بقية المبلغ بالخزينة العامة للبلاد التونسية.
يشار إلى أنه بإمكان المحامي في صورة عدم حصوله على مستحقاته المالية من حريفه أن يتوجه إلى الفرع الجهوي للمحامين الذي ينتمي إليه ويطلب تقييم أتعابه ماديا. وبالفعل طلب المحامي في مطلب تسعيرة تمكينه من مبلغ 4 آلاف دينار بعنوان أتعاب إلا أن الفرع الجهوي للمحامين بتونس قرّر الحكم بتسعيرة ألفي دينار فقط للمحامي.
توجه المحامي فوزي بن مراد إلى القضاء واستصدر إذنا على عريضة باقتطاع أتعابه من المبلغ الجملي الذي حكمت به المحكمة. واقتطع المحامي مبلغ ألفي دينار وبقي مبلغ 15 ألف و200 دينار بالخزينة العامة للبلاد التونسية، وصدر قرار تحت عدد التضمين ص/146 صادر عن حاكم التحقيق السيد عبد العزيز الزريبي بتاريخ 12 سبتمبر 2006 ورد فيه: «نأذن للعارض (الشاكي) بسحب المبلغ المؤمن لفائدته بصندوق الودائع والأمانات بالخزينة العامة للبلاد التونسية تحت عدد r004967 رقم السلسلة 17905 المؤرخ في 5 جوان 2006 بمقتضى إذن صادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بتونس بتاريخ 3 جوان 2006 تحت عدد 4376 وقدره خمسة عشر ألفا ومائتا دينار طبقا للقانون.
وبالفعل فلقد سحب ـ حسب الوثيقة المضمنة ـ الشاكي المبلغ المالي المؤمن بالخزينة العامة لفائدته وذلك بتاريخ 19 سبتمبر 2006.
بالنسبة الى المحامي فإن الموضوع انتهى بتسلم منوبه المبلغ المالي كاملا، الا أن المفاجأة كانت كبيرة بالنسبة اليه اذ تم ابلاغه بوجود قضية جنائية ضده لاتهامه بجريمة الخيانة الموصوفة بعد ان اشتكاه منوبه عن طريق محام آخر وبدأت التجاذبات.
في أول الأمر قام قاضي التحقيق بختم الابحاث دون أن يبلغ المحامي المشتكى به، واحتجت النيابة العمومية على هذا الاجراء غير القانوني اذ تبين بأنه رغم عدم ابلاغ المتهم فإنه أيضا وجهت له رسالة عن طريق عمدة هو غير تابع له بالنظر ترابيا وتم توجيه هذه الملاحظة التي قدمها مساعد الوكيل العام بتاريخ 11 أفريل 2008 الا أن مسار القضية لم يتوقف، اذ تم توجيهها الى الدائرة الجنائية الرابعة بالمحكمة الابتدائية بتونس، وهي عادة الدائرة التي توجه اليها القضايا ذات البعد السياسي.
أثناء ذلك قال المحامي فوزي بن مراد انه تم الاتصال به وطلب منه الاتصال بمحمد الغرياني الأمين العام للتجمع المنحل سابقا والبشير التكاري وزير العدل السابق الا أنه رفض وقال ان القضية تواصلت الى أن طلب منه في شهر أكتوبر من سنة 2010 مناشدة بن علي للترشح للرئاسية، ولكنه رفض ذلك وكتب مقالا بجريدة الموقف يتحدث فيه عن فساد العائلة الحسينية وسقوط الحسين بن علي وتلك العائلة واسترجاع السلطة للشعب التونسي ويبدو ان ذلك المقال أثار كثيرا النظام وأتباعه.
بعد ان تمت اقالة رئيس الدائرة الجنائية الرابعة بمحكمة تونس أحيلت القضية على أنظار الدائرة الخامسة التي قضت بتاريخ 7 فيفري 2011 بإدانة المحامي بن مراد وسجنه لمدة عامين.
يشار الى أن وزير الداخلية السابق السيد فرحات الراجحي اتخذ قرارا بتاريخ 2 فيفري 2011 بتجميد نشاط التجمع وكلف الاستاذ فوزي بن مراد المحامي للقيام بالاجراءات القانونية لحل هذا الحزب، ومنذ ذلك التاريخ بدأت مشاكل بن مراد تتراكم.
قال المحامي فوزي بن مراد ان الحكم الابتدائي كان مخالفا للقانون وهو يعتقد أن الأمر لا يخرج من اطار معاقبته على ما قام به سابقا وحاليا ضد نظام بن علي وأزلامه الذين مازالوا نافذين الى حد الآن في العديد من المواقع الهامة في الدولة وفي مواقع النفوذ.
وقد طعن في الحكم الابتدائي لدى محكمة الاستئناف بتونس التي نظرت في جلسة أولى في ملفات القضية يوم 8 أفريل 2011 وتقرر تأخير النظر فيها الى جلسة يوم 24 أفريل 2011.
وقال المحامي بن مراد انه فوجئ بطريقة التعامل مع الخبر في القناة الوطنية دون الرجوع اليه للتثبت وتقديم الخبر على حقيقته وكما هو دون انطباع ودون اعتماد الاثارة والمبالغة في تقديم المعلومة والتركيز على أن المحامي المعني بالأمر هو الذي عرف بحل حزب التجمع الدستوري الديمقراطي.
من جهته قال محاميه الأستاذ شكري بلعيد انه تم تشكيل هيئة دفاع متكونة من خيرة المحامين وانه يعتقد بأن الحكم الابتدائي الصادر ضده ذو خلفية سياسية واضحة خاصة أن ملف هذه القضية يعتبر نموذجا في خرق الاجراءات والاعتداء على حق الدفاع وعلى أبسط ما يمكن المتهم من دفع التهمة عنه وباعتبار أنه لا وجود لجريمة أصلا فإننا لن نسمح بخرق القوانين وبتجاوز الحق في الدفاع خاصة وقد لاحظنا أنه تم تغيير ملفات القضية من دائرة الى أخرى دون اعلام المتهم ولا محاميه.
القضية ستأخذ بعدا سياسيا خاصة أمام تمسك دفاع الاستاذ بن مراد بعدم وجود ما يدينه وببراءة ذمته وخاصة أيضا بعد ان استلم الشاكي أمواله كاملة وقد أمضى على ذلك بعد صدور إذن قضائي فالملف لن يكون فقط قانونيا اذ من الأكيد بأنه سيدخل مربع السياسة ازاء ما تشهده البلاد من أحداث تثير أكثر من سؤال.