حزب العمل التونسي - حزب العمل التونسي - حزب العمل التونسي - حزب العمل التونسي

هذه مساهمة قادة الاتحاد ومناضليه في استقلال تونس وبناء دولة الاستقلال

وسنمدكم بكل المساهمات التي قدمها الاتحاد لبناء تونس



النقابي أحمد التليلي: خاض غمار الكفاح الوطني وعرف السجون والمنافـــــي

* بقلم: المنصف بن فرج
تكاد تكون أيام السنة ذكريات خالدة لوفاة زعماء ومناضلين ومقاومين افذاذ انجبتهم تونس الخضراء منذ اكثر من قرن من الزمن، وواجهوا الاستعمار الفرنسي الغاشم وتعرضوا لقمعه واضطهاده، وكافحوا وناضلوا واستبسلوا في ساحات المقاومة رافضين وجود الاحتلال وجنوده على أرضنا الطاهرة، فمنهم من استشهد في الميدان، ومنهم من واصل النضال بعد حصول بلادنا على الاستقلال في 20 مارس 1956 الى ان توفي. وبقي منهم من بقي على قيد الحياة مكرما منعما مبجلا في رعاية الله وعناية العهد الجديد.
ومن هؤلاء المناضلين اذكر المرحوم أحمد التليلي الذي عاش فترة الاستعمار وسنوات في عهد الاستقلال وبناء الدولة العصرية فخاض غمار الكفاح منذ صغره وعرف السجون والمنافي ثم ساهم في بناء تونس الجديدة، ولكنه توفي وهو في أوج العطاء.
فماهي ابرز مراحل سيرة المرحوم أحمد التليلي؟ وماهي أهم محطات نضاله؟ وماذا بقي لنا من ذكراه العطرة وكفاحه الباسل؟
ولد أحمد التليلي في الخامس عشر من أكتوبر 1916 بقصر قفصة من عائلة تنتمي لصغار الفلاحين، وكان ثامن اخوته وأصغرهم سنا، وعاش يتيم الأب منذ صغره، وذاق الحرمان والفاقة والجوع، ولكن ذلك ولد فيه طاقة عجيبة لحب الحياة وارادة تجاوز الواقع المر، فاجتاز تعليمه الابتدائي بنجاح وانتقل الى الصادقية سنة 1930 دراسة، والمدارس الخيرية إقامة.
وتفتحت عيناه على واقع شعبه وهو صغير السن، ورأى ظلم المستعمرين وبطشهم، فانخرط في العمل السياسي مبكرا ولكنهم أطردوه، فوجد في الجزائر ملجأ لمواصلة الدراسة غير أنهم لاحقوه هناك أيضا وحرموه من اجتياز الباكالوريا. وتعد اقامته بعض السنوات بالجزائر مهمة، لأنه عمل فيها كاتبا عموميا، وكانت له اتصالات مع قادة جبهة التحرير الوطنية الا ان المرض المفاجئ اضطره الى العودة الى قفصة والدخول مدرسا في سلم التعليم، فانطلق من جديد يناضل في صفوف الحزب الحر الدستوري سنة 1937، وصادف ان الوضع تأزم بين زعماء الحزب، وعلى رأسهم الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة، وبين قيادة المستعمر فازدادت شعلة النضال في قلبه لهيبا وتأججا خاصة مع حصول احداث 8 و9 أفريل 1938، وكان أحمد التليلي قد انتقل الى العمل في مركز البريد، وصار عضوا نقابيا فيه، وأمكن له الاتصال هاتفيا بالقرى والارياف بالشعب وخلاياها لإذكاء فتيل الغضب الشعبي على الظالمين.
مقاوم
ثم واصل المرحوم نضاله المزدوج في الحزب الحر الدستوري التونسي وفي الاتحاد العام التونسي للشغل اثر تأسيسه له مع المرحوم فرحات حشاد في 20 جانفي 1946، وأصبح الكاتب العام الجهوي بقفصة الى جانب اضطلاعه بالكتابة العامة لجامعة قفصة الدستورية، وهو ما أهله الى ان يكون من أبرز المناضلين في الجنوب الغربي وفتح أمامه باب العمل السياسي واسعا على الصعيد الوطني وكان من المتحمسين لتنظيم شبكات المقاومين لخوض معركة التحرير المسلح، فأقنع به الحزب وزعماءه، وكان طيلة عام 1950 أهم عنصر من عناصر تركيز هذه الشبكات في كامل البلاد، كما ساهم المناضل أحمد التليلي في التعريف بعدالة القضية الوطنية خارج الوطن، بحكم مسؤوليته النقابية، في القاهرة، وفي ميلانو، وباريس، وإثر عودته من الخارج في آخر جانفي 1952 إبان اندلاع الثورة التونسية المسلحة، ألقى الاستعمار عليه القبض في 13 فيفري 1952 فأودع السجن المدني بتونس وظل معتقلا حتى سنة 1954 ثم صار تحت الاقامة الجبرية ولم يطلق سراحه نهائيا منها الا في 12 جويلية 1954 مع قرب موعد اعلان مونداس فرانس الاستقلال الداخلي للبلاد التونسية، يوم 31 من نفس الشهر والسنة.
وقد قام المرحوم بدورين خطيرين في ما بين صيف 1954 وخريف 1955 تمثلا في اقناع المقاومين في الجبال وغيرها من تسليم السلاح، بأمر من الزعيم الحبيب بورقيبة وحزبه، ولم يكن ذلك بالأمر الهين، اذ تمسك المقاومون بصلابة موقفهم، بتغذية من صالح بن يوسف وأنصاره وهو ما نجح أحمد التليلي في تحقيقه الى جانب دوره الآخر والذي أنقذ البلاد، ساعتها، من أزمة خطيرة، وهي الانشقاق الداخلي الذي يمهد للاستقلال التام، او سياسة المراحل التي انتهجها الزعيم الحبيب بورقيبة والذي كان يراها صالح بن يوسف خطوة الى الوراء ويدعو الى مقاطعة سياسة بورقيبة، بحيث إما تحصل البلاد على الاستقلال التام وإلا فلا.
وقد آمن المناضل الزعيم احمد التليلي بالموقف البورقيبي وكان له فضل في تهدئة الخواطر، وفض الخلاف بالدعوة الى مناصرة الاتجاه البورقيبي. وكما استطاع احمد التليلي المساهمة في حل الاشكال السياسي داخل الحزب الحر الدستوري واستطاع كذلك ان يضع حدا للخلاف الذي نشأ في صلب الاتحاد العام التونسي للشغل وأصبح أمينه العام منذ 1957 الى سنة 1962 .
دور افريقي
وقد تواصل اعطاء الزعيم والمناضل احمد التليلي فانتخب نائبا لرئيس المجلس القومي التأسيسي سنة 1958، وأشرف على إدارة شؤون المقاتلين الجزائريين يمدهم بالذخائر والمؤونة والعتاد ويشرف على إقامة معسكراتهم وعلى إيواء اللاجئين في فترة حرب التحرير الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي الى يوم حصول الشعب الجزائري الشقيق على استقلاله في 5 جويلية 1962 .
ولابدّ من التذكير بدوره الافريقي الآخر المتمثل في الاشراف على المساعدات التونسية التي كانت تقدمها بلادنا للثورة الأنغولية، وهكذا مرت سنوات البذل السخي سريعا، الى أن وافت المناضل الراحل المنية في 25 جوان 1967، ولم يكن له من العمر سوى 50 سنة و8 أشهر و10 أيام، انقضى اغلبها في الكفاح والنضال والعطاء الزاخر لتونس قبل الاستقلال وبعده تاركا وصية سياسية بخط يده وجهها قبيل وفاته، الى رئيس الدولة آنذاك الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة، يحلل فيها الاوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية للبلاد، بكل جرأة وصراحة، وبدقة عجيبة وصدق وإخلاص منتقدا ما آل اليه الوضع في البلاد من أزمة خطيرة قد تعود بالمضرة على كافة افراد الشعب ان لم تعجل الحكومة بتدارك الموقف، والقيام بالاصلاحات الضرورية في المجالات السياسية، والاقتصادية والاجتماعية ومن المأخذ التي ذكرها المرحوم احمد التليلي في رسالته الوصية التي بعث بها الى الزعيم بورقيبة في 25 جانفي 1966 واقتراحه القيام بتقييم موجز لماضينا القريب، لاستنتاج العبر التي من شأنها ان تعين رئىس الدولة بورقيبة على إيجاد الحل للمشكل.
كما تحدث المناضل المرحوم احمد التليلي في الرسالة عن المعارضة الغاضبة داخل الوطن وخارجه واقترح احترام الدستور والحوار مع الأطراف السياسية، وإرساء دعائم النظام الديمقراطي وإقامة جو الانفتاح السياسي والإنصات لجميع الآراء دون إقصاء ولا تهميش والسير بطريقة التشاور، وفتح أبواب الحوار والأمل والعمل أمام كل الكفاءات وتوفير مناخ الحرية وإشاعة حقوق الانسان في مواطن العمل وفي الشارع ليستعيد كل المواطنين ثقتهم في
النظام القائم وهي مقترحات توجه بها الزعيم الراحل احمد التليلي في جرأة كبيرة وتحمل مسؤولية الاصداع بها والمصارحة.

* من كتاب: ملحمة النضال التونسي: