مدينة مساكن : مساكن عبر التاريخ





محجوب، سالم
.../توفي بعد سنة 1826 هو سالم بن أحمد محجوب أصيل مدينة مساكن. فقيه وقاضي بتونس. وهو ابن عم رئيس الإفتاء المالكي الشيخ محمد بن قاسم محجوب المتوفى سنة 1827 والذي ترجمنا له في هذا الكتاب. ولد وتعلم بمدينة تونس. سُمي قاضيا في مدينة بنزرت سنة 1814. ثم في عين قاضيا في باردو ومكث في خطته مدة خمسة أعوام ونيف. وكان مقربا من الباي حمودة باشا (1814-1824) فانتخبه لقضاء الحاضرة تونس عوضا عن الشيخ إسماعيل التميمي الذي وقعت ترقيته إلى خطة الإفتاء. واستمرت ولايته لقضاء الحاضرة مدة سبعة أعوام حصلت له فيها خلافات مع زملائه أعضاء المجلس الشرعي المالكي حتى آل الأمر إلى رفع شكاية به إلى الباي حسين بن محمود (1824-1835) من أعضاء المجلس لعدم رجوعه في أحكامه إلى رأي أهل العلم من المفتين وتصميمه على ما يظهر وإن خالف النص في نظرهم. يقول ابن أبي الضياف في إتحاف أهل الزمان: "ومن لفظ مكتوب الشكاية الفقرة التالية: هذا وإن قاضيك الذي قدمته لفصل الخصام قد غير الأحكام تارة عمدا وأخرى لاتباع الأوهام. وحسبنا إنهاء ذلك لحضرتكم. والسلام.". واستجاب الباي حسين لهذا المطلب وأخره عن الخطة يوم 10جوان1826 وأسند خطة قضاء الحاضرة إلى الشيخ عمر بن المؤدب. وكان سالم محجوب إماما خطيبا بجامع باب الجزيرة الدخلاني المعروف بجامع حرمل أو جامع القنطرة. وتولى ابنه إمامة نفس الجامع من بعده. لا ندري سنة وفاة الشيخ سالم محجوب بالتحديد وكل ما نعرفه أنه عاش بعد سنة 1826 وهي سنة تأخيره عن خطة القضاء.
المراجع: ابن أبي الضياف، إتحاف أهل الزمان، 3/158.محمد بن الخوجة، معالم التوحيد، .- محمود شمام، أعلام من الزيتونة، 23-24. رويس، منير، صفحات من تاريخ مساكن.
· محجوب، قاسم
.../1776 هو قاسم محجوب. فقيه مفتي بتونس. ترجم له الشيخ محمد مخلوف في كتاب شجرة النّور الزكية فقال هو: "أبو الفضل قاسم المحجوب المساكني مولدا ودارا التونسي قرارا، الفقيه العلامة المحقق الفهامة القدوة الأمين الحامل راية المذهبين باليمين. قرأ ببلده (مساكن) على الشيخ علي بن خليفة ثم رحل إلى تونس وأخذ عن الشيخ محمد زيتونة وغيره. وعنه أخذ أبناء محمد وعمر والشيخ صالح الكواش ومحمد بن سعيد الحجري وجماعة. تولى خطة التدريس مدة الباشا صاحب المدارس ثم الفتيا ثم كبير المفتين مدة الأمير علي باي". وذكر الشيخ علي النيفر في كتاب عنوان الأريب أن قاسم المحجوب كان يملك كنشا في النوازل الفقهية ورثه ابنه محمد قبل أن يأخذه ابنه الآخر عمر وهو الذي كان قد تولى قضاء الجماعة والإفتاء بتونس. توفي الشيخ قاسم محجوب سنة 1190هـ/1776م ودفن بمدينة تونس وخلف أولادا وأحفادا من العلماء والمتعلمين وأشهرهم ابنه محمد المفتي وابنه عمر قاضي الجماعة وحفيده الموثق محمد بن محمد وحفيده الموثق كذلك سليمان بن عمر ووردت تراجمهم في جملة تراجم هذا الكتاب.
المراجع: محمد مخلوف، شجرة النور الزكية، 1/348، علي النيفر، عنوان الأريب، 1/644. رويس، منير، صفحات من تاريخ مساكن.
· محجوب، عمر
.../1807 هو عمر بن قاسم محجوب. فقيه وقاضي الجماعة بتونس. بلغ مرتبة عالية من الرقي في القطر التونسي، وكان يقيم بالعاصمة تونس، ويفخر بانتمائه إلى مساكن. ترجم له الكثيرون منهم الشيخ محمد مخلوف في كتاب شجرة النّور الزكية فقال هو: " قاضي الجماعة أبو حفص عمر بن الشيخ قاسم المحجوب الإمام العلامة العمدة الفعامة الفقيه البارع في المعقول والمنقول الماضي القلم. أخذ عن والده والشيخ حمودة بن عبد العزيز والشيخ الغرياني وغيرهم. وعنه الشيخ ابراهيم الرياحي والشيخ اسماعيل التميمي وغيرهما...". كما ترجم له محمد النيفر في كتاب عنوان الأريب ونقل عنه أخبارا عديدة تبرز مكانته في المجتمع وعلاقته بالدولة ننقل منها مقتطفات لأهميتها وطرافتها.تحدث عنه صاحب عنوان الأريب وقال: "له الباع المديد في سائر العلوم خصوصا علم التوثيق، والمنزلة السامية في التطبيق. يؤثر أن الأمير حمودة باشا استفتى أهل الفتوى في مسألة عرضت له وكان الأمراء لا يقدمون على شيء حتى يستفتون العلماء المفتيين فيه. فأُفتي بغير غرضه. واطلع صاحب الترجمة (عمر محجوب) على نص معتمد يوافق الأمير في مطلبه. فتحدث بذلك وبلغ الأمير فأرسل إليه يسأله فأبى أن يخبره إلا أن يعطيه أربعمائة محبوب ذهبا، ولم يكن إذذاك صاحب خطة شرعية حكمية فوجهها إليه فحينئذ كتب له النص". ويواصل الحديث عنه الشيخ محمد النيفر قائلا: "ولي قضاء الجماعة وإمامة الخمس بجامع الزيتونة وكانتا متلازمتين فقام بأعبائهم أحسن قيام. وكان الأمير حمودة باشا معجبا بخطبه كثيرا ما يصلي الجمعة خلفه لسماعها. كانت له همة منوطة بالثريا. ولما ولي قضاء الجماعة طلب من أخيه وشيخه أبي عبد الله محمد المحجوب رئيس المفتين كنش أبيه في النوازل الفقهية ليستعين به، فوعده بتفتيشه في خزائن كتبه وتسليمه إليه. ثم لم يفعل فلم يحل العام من ولايته حتى أتى صاحب الترجمة لأخيه المذكور بكنش قد جمعه ي مهام النوازل يعرضه عليه، فلما طالعه أعجب به وقال لصاحب الترجمة: إني لم أبخل عليك بكنش أبيك، ولكن خشيت أن تعتمده فأحببت أن تكتب مثل هذا الكنش عنوان اجتهادك واضطلاعك بالخطة وسلّم إليه حينئذ كنش أبيه. أخّره الأمير حمودة باشا عن الخطتين المذكورتين. وسبب ذلك أن الأمير كانت له أخت عاضلا لها وطمع صاحب طابعه يوسف خوجة في تزوذجها وطال عليه الأمر. فأسرّ إلى صاحب الترجمة بذلك ورغب منه أن يخطب في العضل فأعد صاحب الترجمة خطبة في ذلك وأودعها جيبه ينتظر ورود الأمير ليخطب بها كأنها على جهة الصدفة لعله يتعظ فيزوج أخته ولا يجد له أولى من يوسف خوجة فيبلغ المرام. فلما كانت جمعة من الجمع أتى الأمير حمودة باشا للصلاة فأخبر به صاحب الترجمة فخطب بها. فلم يخف عن الأمير مغزاها وتغيّظ حتى همّ بالخروج قبل الصلاة. ثم ملك نفسه وأسرّها حتى بلغه تخلّف صاحب الترجمة عن الصلاة بالجامع الأعظم والحكم بدار الشريعة لمرض به. فقال إنّ الخطتين لا يليق بهما من يتخلّف، فأخره عنهما لكن بقيت له رئاسته العلمية التي لا يمكن لأحد أن يبتزّه ثوبها." وأشار محمد النيفر بعد ذلك إلى آثاره المكتوبة فذكر رسالته "التي أجاب بها الوهابي وردّ بها شبهاته جمعت بين الوجازة والإفادة" وهي الرسالة الموجودة في كتاب إتحاف أهل الزمان لابن أبي الضياف. ثم تحدّث عن إبداعه الأدبي شعرا ونثرا وننقل فيما يلي البعض من أدبه اعتمادا على نفس الكتاب أي عنوان الأريب. ومن نثره ما كاتب به أمير عصره يعلمه بثبوت هلال رمضان ونصه: أدام الله المجلس العالي، يبشّر بتجدّد الأهلة، ولا زالت غيوث التهاني على أرجائه منهلة. أما بعد السلام التام اللائق بذلك المقام فلتهنَ مولانا بالهلال الجديد والطالع السعيد والمقدمة التي نتيجتها العيد. فلقد ثبت لدينا الثبوت الشرعي المحرر المرعي، أهّله الله عليكم وعلى المسلمين باليمن والبركة، وقران الخير في حالي السكون والحركة. فليأذن مولانا في إطلاق البشير وإسماع النّذير. والسلام. بُشرى فشهر الصوم لاح هلاله وبدا سناه مشرقا وكمالـه فليعلن المولى المؤيد أمـــره إذ صحّ شرعا لا ارتياب يناله لا زلت في عز وتوفيق لمــا يرضاه ربّ الناس جل جلاله ومن شعره يعتذر عن إطفاء شمعة: لا تلوموا نديمكم حين يطفئ شمعة قد أراد منها صلاحـا بهرته أنواركم بسناهـــا فرأى الشمع لا يفيد صباحا وله من الشعر كذلك: انظر إلى الأمواج كيف تجمعت إذ قابلت شمسا تلوح بمشرق فكأنها سلك من الياقوت قـد نثرته خود في بسـاط أزرق كما كان يقول الشعر في أغراض ومواضيع متعددة فيكتب في التهاني ويكتب في الرثاء عند الوفاة. فقد ترك شعرا يهنئ فيه الأديب محمد الدرناوي بتوليه رئاسة الكتاب في دولة الأمير علي باي. وترك رثاء في الشيخ محمد بن حسين بيرم المفتي الحنفي الأول المتوفى سنة 1214هـ(1799م) ورثاء الشيخ محمد بن حسين البارودي المفتي الحنفي المتوفى سنة1216هـ(1801م). ونشير في النهاية إلى أنّ الشيخ عمر محجوب تخلّد ذكره أيضا بابنه سليمان الذي اشتغل بالتوثيق ووصار مكينا في قصر البايات وبلغ درجة كاهية رئيس الكتبة. لكنه امتحن بسبب تراكم الديون وسجن ببيت الضياف بباردو مدّة وانفصل عن قلم الإنشاء ثم لازم داره مدة قبل أن ينخرط في سلك المفتين. وذكره ابن أبي الضياف ولقبه بالشريف واختصر مكانته بقوله: " وكان فقيها كاتبا، ناثرا خيرا عفيفا وجيها ماجدا ذا وقار إلى أن توفي سنة 1267هـ سبع وستين ومائتين وألف (1850-51م)". توفي الشيخ عمر محجوب موفى محرم سنة 1222هـ/أفريل1807م ودفن بتونس.
المراجع: ابن أبي الضياف، إتحاف أهل الزمان، 7/52 ومحمد مخلوف، شجرة النور الزكية، 1/366، محمد محفوظ، تراجم المؤلفين التونسيين، رقم 503، 4/250-251، و4/250-251. ومحمد وعلي النيفر، عنوان الأريب عما نشأ بالمملكة التونسية من عالم أديب، 1/ 643-648، محمد بوذينة، مشاهير التونسيين، 412. وحول سليمان بن عمر محجوب، انظر ابن أبي الضياف، إتحاف أهل الزمان 8/81. رويس، منير، صفحات من تاريخ مساكن.
· محجوب، محمد
.../1827 هو محمد بن قاسم محجوب. فقيه إمام وخطيب بتونس. أصله من مساكن وولد وعاش بتونس العاصمة. والده الشيخ قاسم هو الذي تحوّل من مساكن إلى تونس واستقرّ بها. وقد ترجم له الشيخ محمد مخلوف في كتاب شجرة النّور الزكية فقال هو: «أبو عبد الله محمد ابن الشيخ قاسم المحجوب الإمام الألمعي العلامة المحقق اللوذعي الفهامة المتفنن في العلوم الفقيه الحافظ لمسائل المذهب، تقدم للفتيا مع أبيه أيام الباشا علي بن حسين باي ثم رئيس المفتين. أخذ عن والده والشيخ الشحمي والشيخ الغرياني وغيرهم وعنه الشيخ محمد بن سعيد وغيره». وكان محمد بن قاسم المحجوب مستقرا بالعاصمة ليس له علاقة بمساكن إلا علاقة حب مسقط رأس الآباء والأجداد. واشتهر أيضا بابنه محمد الذي برع في الفقه وتصدر للتوثيق وتقدم لخطة الفتوى وحافظ على مكانة عائلته العلمية. واختصر ابن أبي الضياف مكانة ابنه العلمية والاجتماعية بقوله: «وكان وجيها مشاركا ماجدا من بيت علم وشرف كريم النفس عالي الهمة مهيبا. ولم يزل على حاله مقتديا بآله إلى حين انتقاله أواخر ذي القعدة من سنة 1263هـ ثلاث وستين ومائتين وألف (أوائل نوفمبر1847م) رحمه الله تعالى». توفي الشيخ محمد بن قاسم المحجوب سنة 1243هـ/1827م وترك أبناء وأحفاد بلغوا أبلغ درجات المجد العلمي.
المراجع: محمد مخلوف، شجرة النور الزكية، 1/370 وحول محمد بن محمد بن قاسم محجوب، انظر ابن أبي الضياف، إتحاف أهل الزمان 8/63. رويس، منير، صفحات من تاريخ مساكن.
· المقرون، حسن
.../1872 هو حسن بن عمر المقرون. قائد عسكري شهير في عهد البايات. تحدث عنه ابن أبي الضياف في إتحاف أهل الزمان وخصص له ترجمة مطولة نذكرها هنا لأنها أشمل ترجمة تخص هذه الشخصية السياسية المساكنية. « الأمير الشريف أبو محمد حسن ابن الشريف الوجيه أبي حفص عمر المقرون المساكني. هذا الفاضل من أعيان بيوت الشرف بمساكن، من كبار بلدان الساحل، ولوالده رفعة وسمعة بها. واختير للخدمة العسكرية ليكون أسوة لأمثاله من الأعيان، وخدم بالمحمدية من أنباشي وتدرج في سلم الخدمة إلى أن صار أمير لواء. وأقبل في مبادئ أمره على تعلم الصناعة الحربية بجد واجتهاد حتى صارت هذه الصناعة طبيعة من ذاته، والاشتغال بها أكبر لذاته. وكان المشير أبو العباس أحمد باي يعرف منزلته ويوليه ما يناسبها من الحظوة والتقريب زيادة على حظوة أبيه المعروفة المسلمة في بلاده. وأعطاه المشير أبو العباس أحمد باي الدار التي بناها الوزير شاكير صاحب الطابع ببلد مساكن. وله في خدمة الدولة آثار مشهورة وأخبار مذكورة. ووجهه الباي صاحب القانون إلى بلده مساكن في فتنة الاثنين والسبعين...وخرج منها خائفا يترقب لأن الأمر يومئذ بيد العامة وأخوه وأمثاله يومئذ تلعب بهم أيدي العامة وأهل البطالة، حتى ما كان لطف الله بهذه الإيالة وخروج الوزير أبي العباس أحمد زروق بالمحلة وقهره للعامة بالساحل. وربما يقول القائل إن هذا اللطف من الله نعمة لكن في طبها نقمة أبادت الساحل وثروته وتركته كأمس الدابر، وهرب أخوه، لما سل سيف انتقام المحلة، إلى دار قنصل الأنقليز بسوسة، ووراءه عقارب السعايات ، وانتاشه القنصل وأجاره من ذلك العدوان، وطولب بعين من المال يدفعه معجلا، وتلونت الأقوال في ألقاب جوره، وهو السبب في خروجه من هذا القطر. وكان في أيام القانون تقدم رئيسا على ضبطية الحاضرة، فزانها وضبطها ورتب أسباب الأمن والراحة، فقصرت الأيدي العادية وأمنت الساحة، وكان تقدمه لهذه الرئاسة في شعبان سنة 1278 ثمان وسبعين ومائتين وألف (فيفري1862م) بإشارة الوزير المنصف أبي محمد خير الدين... وكانت ولايته من ألطاف الله بهذا القطر. وذلك أنه في فتنة الاثنين والسبعين والهرج الذي وقع في البلاد، وكانت سفن الفرانسيس يومئذ بحلق الوادي، وطلبوا النزول للبر للإعانة، ولم يوافقهم الباي، وقع من بعض الأوباش من سفلة العامة التي إذا اجتمعت ضرت وإذا افترقت نفعت، وفيهم جم غفير ممن له رغبة في فتنة تقع في البلاد لفائدة تخصه، وحرك بعض الصبيان لخطف شيء من ثياب بعض اليهود قرب باب البحر، فطار إليه الخبر وهو بالدريبة، فخرج في الحين راجلا ومعه غالب الضبطية إلى باب البحر، وتمكن ببعض الصبيان وأنفار من الذين انخرطوا في سلكهم وأتى بهم للدريبة وحكّم في أبشارهم الضرب بالعصي أمام الدريبة في شارع المارة، ليرى مبصر ويسمع واع. وبات تلك الليلة يدور في البلاد راجلا وملأ السجن من هؤلاء، ومنهم من أعاد له الضرب. وكان الضرب يومئذ محجورا، فكاتب الباي بأنني الآن أضرب بالعصا على خلاف القانون، ارتكابا لأخف الضررين، وأنا بين يديك غدا والآن. وأنجى الله هذه الحاضرة على يد هذا الشريف من نهب وسفك دماء، وسفن الفرانسيس بشاطئها ويعلم الله ما وراء ذلك. ومن الغد شكره كل ساكن في البلاد من أهلها ومن غيرهم، وشكره الباي ورجال دولته. ولو لم يكن له من المآثر إلا هذه لكفته في دينه ودنياه. ومع ذلك لزمه الهروب إلى دار قنصل الأنقليز ارتكابا لأخف الضررين. وسافر مع أخيه على يد القنصل إلى طرابلس ومنها إلى مصر واستقر بها. وكاتبه الباي وأمّنه، فرجع يقوده إيمان حب الوطن. واستعمله الباي على بنزرت فسار فيها بحزمه وإنصافه وما يحمد من أوصافه.
وكان يقرب إلى الأمية شغلته العلوم العسكرية عن إتقان الكتابة وتوابعها، ثم أنهكه ضعف البدن وشيخوخة السن وألجأه ذلك إلى الاستهفاء وقبل منه.
ولم يزل على مقامه واحترامه، وامتحن قبيل وفاته بقطع رجله لمرض أصابه، وخرج الأطباء يومئذ متعجبين من ثباته وصبره، قريبا من قطع رجل عروة بن الزبير. وكان شهما حازما، نقي العرض، بعيدا عن التصنع، نزيه النفس عن المطامع التي تدنس النفس والخطط والرئاسة، عالي الهمة يقدم أدنى مصلحة عمومية على أعظم مصلحة تخصه، ناهيك عن أخلاق علوية، ونفس عظامية عصامية، وهمة من المطامع برية.
ولم يزل على جميل حالاته، رافلا في جميل صفاته، إلى آخر ساعاته، وذلك في أشرف الربيعين من سنة 1289 تسع وثماني ومائتين وألف (ماي 1872م)، وعزم أخوه على حمل جسده الشريف إلى تربة آله ببلد مساكن، فمنعه الباي خوفا على بدنه من التغيير بحر الصيف، وإكرام الميت الدفن. ودفن بالسلسلة كأمثاله، قابله الله بالرحمة والرضى.».
المرجع: ابن أبي الضياف، إتحاف أهل الزمان، 8/177. رويس، منير، صفحات من تاريخ مساكن.





مدينة مساكن : بحث شامل عن مدينة مساكن

مدينة مساكن : مساكن عبر التاريخ